ثم سَعى الأندلسي بعد ذلك، سعى له علي بن صالح وغيره من وجوه بغداد، إلى أن أمر بكتابة تقليده فكُتب. واتصل الخبر بالخصيبي فقلق لذلك، وكثر الإرجاف بذلك بمصر. فاتفق أن الأندلسي اعتل فأقام في علته أيامًا قلائل لا يلي القضاء ومات، وذلك في سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة. ووصل تقليده بعد موته بخمسة أيام، وكفى الخصيبي أمره.
أحمد بن إسماعيل بن محمد بن أبي العز بن صالح بن أبي العز ابن وُهَيْب بن عطاء بن جُبَير بن جابر بن وهَيْب الأَذْرَعي الأصل الدمشقي، نجم الدين المعروف بابن الكِشْك الحنفي، من المائة الثامنة. ولد سنة عشرين وسبعمائة تقريبًا. وأجاز له أبو محمد القاسم بن المُظفَّر بن عَساكر الطبيب، ويحيى بن محمد بن سعد وأبو بكر بن مُشَّرف وأبو عبد الله بن أبي الهيجاء بن الزَّرَّاد وزينب بنت عمر بن شُكر وجماعة وغيرهم.
وسمع الصحيح من أبي العباس
ابن الشحنة، وسمع من غيره وتفقه واشتغل. وقدم القاهرة، فقُرِّرَ في قضاء الحنفية بعد موت صدر الدين ابن التُّرْكُماني، في ثامن عشر المحرم سنة سبع وسبعين وسبعمائة، وسيأتي بيان ذلك في ترجمة شرف الدين أحمد بن علي.
وكان خبيرًا بمذهبه. كثير الاستحضار، درس بأماكن بدمشق وغيرها، وحدث بالصحيح بالقاهرة. ولم تطب له الإقامة بمصر، فترك المنصبَ واسْتَعْفَى، ورجع إلى دمشق ولزم داره. ثم ولى قضاء دمشق في سنة اثنتين وتسعين، وكانَ وَلِيَهُ قبلَ ذلك. واتفق أنه كان له قريب اعتراه في عقله شيء، فجاء إلى فطلب منه شيئًا فمنعه، فضربه بسكين فمات منها، وذلك في ذي الحجة سنة تسع وتسعين وسبعمائة، فقبض على القاتل فقتل نفسه أيضًا. وهو آخر من بقي من قدماء المدرسين والقضاة. وقد أجاز لي غير مرة وأنجب أولادًا تولوا بعده المنصب. وكانت فيهم حشمة ورياسة، وتودد للناس، ونفع للقادمين. وكان آخر من بقي منهم القاضي شهاب الدين أحمد بن محمود ابن صاحب الترجمة النجم أحمد. وقد طلب لولاية القضاء بالديار المصرية مرة. ولكتابة السّر أخرى، فاستعفى من
1 / 43