من طلب وعنى بتحصيل الأجزاء وقرأ وتميز، وهو في ازدياد من الفضائل. وقد ولي خطابة القدس بعد والده وقرأ علي كثيرًا) انتهى. وقد رأيت بخطه أجزاء تدل على أنه لم يمهر في فن الحديث. ورأيت له جُزْءًا خَرَّجه لبعض الرَّحّالة، يدل على قصور كثير، مع كثرة ما كان عنده من المواد. ثم ولي قضاء
القضاة بالديار المصرية بعد صرف أبي البقاء، مطلوبًا من بيت المقدس بعناية بعض أمراء الدولة فحضر على البريد يوم الأربعاء رابع جمادى الآخرة سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة. وبات في تلك الليلة في صهريج منجك وأصبح يوم الخميس فخلع عليه. وركب معه معظم الأمراء على العادة إلى الصالحية وباشر بحُرمة ومَهابة وعِفة ونَزاهة.
قرأت بخط صاحبنا جمال الدين عبد الله بن أحمد البشبيشي ﵀، رأيته يوم ولي وقد خلع عليه بالطيلسان المقور. ثم ركب إلى أعيان الأمراء فسلم عليهم على العادة. قال: فاتفق أن بعض الفقهاء ازدراه لأنه لم يكن مشهورًا بالمهارة في الفقه. فوصفه بقلة المعرفة. فاتفق أنه دخل عليه فرأى كتبه مصفوفة فقال: يا مولانا قاضي القضاة، ما أحسن تصفيف هذه الكتب! ورمز إلى أنه قليل الاشتغال فيها، لأن كثرة الاستغلال تنافي حسن التصفيف غالبًا. ففهمها وأسَرّها في نفسه. وكان ذلك الرجل يلي عقود الأنكحة، فالتمس منه الإذن بذلك، فأذن له. فاتفق أنه وقع له عقدٌ عقَده المذكور فيه خلل. فأحضره واستكشفَ أمره، فوجده فاسدًا. فأمر بتعزيره، فضرب وصفع، وكشف رأسه وأرسل إلى الحبس حاسرًا.
ثم اتفق أن بعض نواب القضاء بالشرقية دخل إليه، فسأله عن شيء فأجابه وشر كالضاحك، فتوهم القاضي أنه يستهزئ به، وليس كذلك، بل كان ذلك خلقة في ذلك الرجل. فأمر به فعُزِّر نظير ما عزّر الأول. فارتدع أهل البلد وهابوه.
وقرأت بخط صاحبنا الشيخ تقي الدين أحمد بن علي المقريزي: (كان خطيبًا بليغًا، حسن الصوت، مهابًا عفيفًا، تاركًا للأغراض الدنيوية، جليلًا مليح الوجه جميل المحيّا، زائد الوقار، كثير الإفضال، عالي الهِمة، ماجدًا جوادًا
1 / 28