فقالت الملكة بصوت هادئ: السلام عليك أيها الرئيس خنوم حتب.
واستقامت قامة الوزير، وإن ظل رأسه منكسا، وقال بخشوع: إن عبدك المطيع يعجز لسانه عن أداء الشكر لذاتك العالية، على تفضلك الكريم باستقباله.
فقالت الملكة بصوتها المتزن النبرات: إني أعتقد أنك لا ترجو مقابلتي إلا لأمر خطير؛ فلم أتوان عن استقبالك. - تعالت حكمة مولاتي، فالأمر جد خطير، وما هو إلا صميم السياسة العليا.
وانتظرت الملكة صامتة، فاستجمع الرجل قواه الذاتية، وقال: إني يا صاحبة الجلالة أصطدم بعقبات شديدة، حتى بت أخشى ألا أقوم بواجبي بما يرضي ضميري ومولاي فرعون.
وسكت لحظة، واختطف من وجه الملكة الهادئ نظرة سريعة كأنه يمتحن أثر كلامه فيها، أو ينتظر كلمة تشجعه على الاسترسال، وأدركت الملكة معنى تردده فقالت: تكلم أيها الوزير فإني مصغية إليك.
فقال خنوم حتب: اصطدمت بهذه العقبات على أثر صدور الأمر الملكي بنزع أكثر أملاك المعابد؛ فقد اضطرب الكهنة وفزعوا إلى الالتماسات يرفعونها إلى أعتاب فرعون؛ فهم يعلمون أن أراضي المعابد منح وهبات الفراعنة عطفا، فأشفقوا من أن يكون استردادها سخطا.
ولاذ الوزير بالصمت هنيهة، ثم استدرك قائلا: الكهنة يا مولاتي جنود الملك في وقت السلم، والسلم ينشد رجالا أصلب عودا من رجال الحرب؛ فمنهم المعلمون والحكماء والوعاظ، ومنهم حكام ووزراء. وما كانوا ليتوانوا عن التنازل عن أملاكهم حبا لو دعت إلى ذلك شدة حرب أو قحط، ولكنهم ...
وتردد الرجل عن الكلام لحظة، ثم استطرد بصوت أشد خفوتا: ولكن يحزنهم أن يروا هذه الأموال تنفق في غير هذه الوجوه.
ولم يرد أن يجاوز هذا الحد من التلميح، ولم يداخله شك في أنها تفهم كل شيء وتعلم كل شيء، ولكنها لم تعقب على كلامه بكلمة، فلم ير بدا من أن يتقدم إليها بالالتماسات، ثم قال: هذه الالتماسات يا صاحبة الجلالة تعبر عن إحساس رؤساء المعابد، وقد رفض مولاي الملك أن ينظر فيها، فهل لمولاتي أن تطلع عليها؛ فالشاكون طائفة من شعبكم المخلص تستحق الرعاية.
وقبلت الملكة الالتماسات، فوضعها الوزير على منضدة كبيرة، ووقف في سكون منكس الرأس. ولم تعده الملكة بشيء، وما طمع في هذا قط، ولكنه تفاءل خيرا بقبول الالتماسات، ثم أذنت له بالانصراف، فتراجع ويداه على عينيه.
Неизвестная страница