الفراعنة؟ أين الساسة؟ أين الغزاة؟ هل حقا
القبر عتبة الخلود؟ ولكن لم يأت من القبر رسول
يطمئن قلوبنا، فلا يفوتكم طرب، ولا تفوتكم لذة.
لصوت الساقي أبلغ حكمة من صراخ الواعظ.
أنشدت الغانية اللحن بصوت إلهي حنون، أطلق الأرواح من قيود الأجسام، فهامت في سموات الجمال والسعادة، وذهلت عن متاعب الأرض وهموم الدنيا، وشاركت في التجلي الأعلى، وظل القوم بعد إمساكها نشاوى يتنهدون فرحا وحزنا ولذة وألما.
وطرد الحب من صدورهم كل عاطفة إلاه، فاستبقوا إلى الشراب، وهدفوا بأعينهم إلى الغانية تنتقل بين الجالسين، وتداعبهم، وتماجنهم، وتشاربهم، ولما دنت من آني همس في أذنها: أسعدتك الأرباب يا رادوبيس .. جئتك شبحا مثقلا بالتبعات وأخال نفسي الآن طيرا يحلق في السماء.
فابتسمت إليه وانتقلت إلى جانب رامون حتب، وأهدته زهرة لوتس عوضا عما فقد، فقال لها: يقول هذا الشيخ إن الفن لعب خيال، ألا سحقا لرأيه .. إنه ومضة إلهية تشع من عينيك، وتدور مع وجيب قلبي، ثم تأتي بالأعاجيب.
فقالت له ضاحكة: أيخرج مني شيء يأتي بالأعاجيب، وأنا أعجز من الرضيع؟
ثم هرعت إلى حيث يجلس هوف، وجلست إلى جانبه، ولم يكن ذاق خمرا، فحدجته بنظرة فاتنة، فضحك الرجل، وقال متهكما: يا سوء ما اخترت جليسا! - ألا تحبني كهؤلاء؟ - ليتني أستطيع .. ولكني أجد فيك ما يجده المقرور في المدفأة. - إذن انصحني ماذا أصنع بحياتي لأني اليوم أشكو؟ - أتشكين حقا .. أنعيم وثراء وشكوى؟ - كيف غاب عنك هذا أيها الحكيم؟ - الجميع يشكو يا رادوبيس، طالما استمعت إلى شكاة الفقراء والبائسين الذين يتلهفون على كسرة خبز، وطالما استمعت إلى شكاة السادة وهم يئنون تحت عبء التبعات الجسام ، وطالما استمعت إلى شكاة الأغنياء السادرين وقد برموا بالدعة والسعادة فالجميع يشكو، وما من فائدة ترجى من التغيير، فاقنعي بما قسم لك. - وهل يشكو الناس في عالم أوزوريس؟
فابتسم الشيخ وقال: آه! .. إن صاحبك رامون حتب يهزأ بهذا العالم الخطير. أما الكهنة العالمون فيقولون إنه عالم الأبدية، فصبرا أيتها الحسناء، إنك ما زلت قليلة التجارب.
Неизвестная страница