[الرد على ماني]
ثم إن فرقة من الكفرة قادها عصيانها، ونعق بقادتها في الكفر والعمى شيطانها، إمهامها المقدم، وسيدها المعظم، (ماني) الكافر بأنعم الله اللعين، الذي لم يبلغ كفره قط بالله الشياطين، ابتدع من القول زورا لم يسبقه إليه سابق من الأولين، ولم يقل به قبله قط أحد من قدماء الخالين، مع افتراق مللهم، ومختلف سبلهم، فزعم أن الأشياء كلها شيئان، وقد يوجد خلاف زعمه بالعيان، فلا يوجد بين ما ذكر من النور والظلمة فرقة، إلا وجدت الأشياء كلها بمثله لهما مفارقة، إلا أن الفرقة بين الأشياء أوجد، ومن الأشياء للنور والظلمة أوكد، مكابرة لعقول أطفال الأنام، وتجاهلا بما تجهله بهيمة الأنعام.
ثم قال تحكما، وافترى زعما، أن الأشياء كلها من النور والظلمة مزاج، وأنه لم يكن بينهما فيما خلا من دهرهما امتزاج، سفها من القول وتعبثا، ومجانة في السفه وخبثا، فثبت بينهما شبه الاستواء، وحكم عليها حكم السواء، في حالين يجمعانهما عنده معا، وفعالين يتساويان فيهما جميعا، فقال في أولاهما لم يمتزجا، ثم قال في أخراهما امتزجا، فجمعهما - عنده في الامتزاج وخلافه - الحالان، واشتراكهما فيما كان من إسآءة وإحسان، وليس في أنهما هما الأصلان، دليل واضح به يثبتان، أكثر من تحكم العماة في الدعوى، والاعتساف منهم فيهما للعشوى، وما ذا يرون قولهم، لو عارضهم مبطل في الدعوى كهم.
فقال: بل النور والظلمة مزاجان، ومن ورائهما فلهما أصلان، هل يوجد من ذلك لهم، إلا ما يوجد لمن خالفهم ؟!
Страница 134