فأي عدوان أعدى ؟! أو طريقة أقل هدى ؟! مما تسمع من أمورهم أيها السامع، فلتنفعك في بيان قبائحه المنافع، وأيا ما - ويله - رأى من الأشياء، من كل ظلمة أو ضياء، يحمد أو يذم في الناس دائبا، وليس في الحمد والذم عندهم متقلبا، ألم ير أن الظلمة ربما نفعت فحمدت، وذلك إذ استترت الأبرار بها عن ظلم الظالمين فسلمت، وطلبت فيها وبها، البردفأدركته في طلبها، فهذا منها نفع ظاهر في دنيا ودين، يراه بينا من أمرها كل ذي عين وقلب رصين، ثم تعود منافعها مضآرا، إذا أعطت هذا منها أشرارا، وكذلك أحوال النور، في جميع ما يرى من الأمور، ربما نفع فيها، ثم عاد بالضر عليها، وقد ذكرنا من ذلك في صدر كتابنا طرفا، فيه لمن أنصف في النظر ما كفى.
وقال في كتابه زعم لبعض من دعاه: إن الذي دعاه إليه رجاؤه فيه للهدى. فمن ياوله رجا، الظلمة التي لا ترجا، ولا يكون منها أبدا إلا الأذى، ولا يفارقها أبدا عنده العمى ؟ أم النور الذي لا يخشى ولا يعمى ؟! ولا يكون منه أبدا عنده إلا الرضى ؟! بل ليت - ويله - شعري، فلا يشك- زعم - ولا يمتري، من الذي يدعوه إلى الإحسان من الإسآء ؟! ومن الذي ينادي به إلى الصواب عن الخطأ ؟! أهو النور الذي لا يسي ؟! والمصيب الذي لا يخطي ؟! فلا حاجة له إلى دعائه وندائه، وهو لا يسيء أبدا فيكون كأعدائه، أم المسيء الذي لا يحسن ؟! والمخطئ الذي يشتم ويلعن ؟! كان يا ويله إليه دعاؤه، وبه كان ندآؤه، فأنى يجيبه وليس بمجيب ؟! وأنى يصيب من ليس أبدا بمصيب ؟!
Страница 145