Властелин времени: Книга и дело

Саид Кимни d. 1443 AH
72

Властелин времени: Книга и дело

رب الزمان: الكتاب وملف القضية

Жанры

وبقدر ما أدهشتني كتابات هذا الرجل بقدر ما أدهشني شخصه، تحسبه لشدة تواضعه، وهو يستمع للقول، أنه يستمع إليه لأول مرة، ثم تكتشف أنه يعلمه فعلا لكن بشكل أفضل، حكى لي عن مرحلة الصبا بشديد من البراءة والاعتزاز، وكيف بدأ عاملا فنيا باللاسلكي، وكيف حمل أعباء الأسرة بعد رحيل عائلها، وكيف كان يعمل نهارا ويدرس ليلا، لكنك لا تجد مهما بحثت أي أثر لتشوهات كان يمكن أن تتركها تلك الرحلة في نفس أي رجل، كل ما حدث أنه قرر أن يحمل عبء مصر جميعا.

صريح كل الصراحة إلى حد الصدمة، لا يقول إلا ما يعنيه فعلا، أما المستوى العلمي الرفيع والرصين في إصداراته السبع، فتشي بصرامة علمية نادرة، تفصح عما يأخذ الرجل به نفسه من شدة وقسوة عندما يعمل، فعلى مستوى الكتابة، وعلى المستوى الشخصي، لم يساوم أبدا على مبادئه، ولا على مستقبل هذا الوطن.

ذلكم هو نصر حامد أبو زيد.

والقارئ لأعمال نصر أبو زيد يكتشف هم الرجل في إزالة ومنع الاستخدام النفعي والانتهازي للدين، بدأ به على ربط النص بسببه الموضوعي وسياقه التاريخي. أما الأسلوب فشديد الرصانة، شديد البراءة أيضا، يفضح ببراءته أولئك المنتفعين على مر العصور، ومن هنا استشعر أولئك الخطر الذي يمثله هذا الإنسان، فشنوا عليه حملتهم التي قادها مستشار بيوت هبش الأموال المعروف عبد الصبور شاهين لتدعمه بعد ذلك أسماء كثيرة وردت بكشوف البركة، ليأخذ التحالف الأسود مداه ليصل بالرجل إلى المحاكم، حيث يصدر ضده الحكم بتفريقه عن زوجته، بحجة أنه أراد الاجتهاد في قواعد المواريث، فأنكر بذلك معلوما من الدين بالضرورة، والمعنى الضمني في هذا الحكم أن الرجل مرتد عن الإسلام، ويصبح من حق أي مسلم مهووس أن يذبحه وهو مطمئن الفؤاد قرير العين، بالنظر إلى العلاقات الواضحة بين الأقطاب، حيث أفتى الشيخ الغزالي في محاكمة قتلة فرج فودة، بأن أي مسلم يمكنه تنفيذ حدود الله بيديه، وبالمناسبة منحت حكومتنا المباركة هذا الرجل جائزتها التقديرية!

ولو مددنا الخط على استقامته، منذ مقتل الدكتور فرج فودة، مرورا بمحاولة اغتيال نجيب محفوظ، ثم ربطنا ذلك بتراجع العنف الديني المسلح بعد الصدامات الدموية مع جهاز الشرطة، ومع خسارة ذلك العنف تأييد الشارع المصري له؛ حيث بدأ الناس بالتعاون الفعلي مع الشرطة بعد ما رأوا من جرائم الإرهاب، فإننا سنلحظ فورا نقلة جديدة ، تتمثل في متغيرات مرحلية وتكتيكية، لكسب الجماهير إلى صف الإسلام السياسي، وذلك برفع عدد من قضايا الحسبة ضد مفكري مصر، مثلما حدث مع عاطف العراقي، وكتاب روز اليوسف، وغيرهم، وهنا يتم نقل قضية نصر أبو زيد من دائرتها الأصلية إلى الدائرة التي أصدرت الحكم، دون مبررات واضحة، وهي كلها مؤشرات إلى منهج آخر وطريق آخر يتسم بالذكاء قد بدأ تنفيذه، حيث يمكن ذبح نصر أبو زيد بعد الحكم، مع تهيئة الجماهير لقبول ذلك الذبح الشرعي بحملة واسعة حدثت فعلا في مساجد معلومة الشأن، دون أن نتمكن من اتهام الإرهاب الديني المسلح، وسيف هيبة مؤسسة القضاء مرفوع فوق رءوسنا، ولأن القتل هنا سيكون بتفويض رسمي من مؤسسة الدولة، ومختوما بخاتمها الرسمي.

كل ذلك يشير إلى جودة عالية في التكتيك، وتوزيع مبرمج بدقة للأدوار، تمكن من الاستفادة من الوسطية الفجة التي تلعبها مؤسسة الحكم، منذ أن قررت أن تكون الدولة دولة مؤسسات ديمقراطية، ثم قررت في الوقت نفسه أن الدين الرسمي للدولة هو الإسلام، وأن الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، فجمعت بين المبدأ الديمقراطي الذي لا يعرف عن المواطنين هويتهم الدينية، ولا يضع في اعتباره إن كان هذا المواطن مسلما، أم مسيحيا، أو حتى بلا دين محدد، وبين أيديولوجيا دينية شمولية، مع التصور الساذج أنه من غير الممكن استخدام هذه النصوص الدستورية عمليا، حيث كان الأمر تجملا من النظام أمام التيار الديني، وإثباتا لتدين الدولة والتحائها، لتحقيق عناصر ومناخ مناسب للتحالف الذي حدث آنذاك بين نظام السادات وبين الإسلاميين.

ولا شك لدينا أن السيد القاضي المبجل، الذي أصدر الحكم، كان متسقا تماما مع القاعدة التشريعية التي سوغت له أن يحكم بما حكم، فتحت يديه باب للجحيم يمكنه أن يفتحه ويستخدمه وقتما شاء، قد وضعته له حكومتنا الغراء، كما أن سيادته كان متسقا تماما مع منظومته الدينية والفكرية، فالرجل كما رنا إلى علمنا من المتشددين في أمور الدين؛ لذلك فقد أصدر الحكم الذي ارتاح إليه ضميره وعقيدته، التي هي بهذا المنطق أساس ومقياس كل الأحكام.

لكن هذا كله لا يعني تبرئة السيد القاضي المبجل من الخطأ، فجل من لا يخطئ، نقول هذا ونحن نعلم معنى هيبة القضاء ومؤسسته، كما نعلم جيدا ما قد يجره هذا الكلام علينا نحن بالذات، لكن المسألة لم تعد تحتمل ترددا أو وسطية أو تمييعا للمواقف، نعم مؤكد لدينا أن الحكم بقياسه على عقيدة القاضي ونص الدستور صحيح تماما، وهو الأمر الذي يجب أن يحيل الجميع الآن إلى مناقشة القاعدة الدستورية والتشريعية ذاتها، التي سوغت له إصدار حكمه، أما الخطأ الذي نقصده فهو قيام الحكم على حيثية اتخذت موقفها من اجتهاد نصر أبو زيد في مسألة المواريث، وهو ما شرحه الدكتور محمد البري، لا فض فوه، أن اجتهاد نصر هو إنكار لمعلوم من الدين بالضرورة، والخطير هنا هو أن القاضي المبجل قد أصدر حكمه بناء على فهمه هو لما كتب نصر أبو زيد، بينما هناك كثير من مفكري هذا البلد، قد قرءوا أعمال الرجل، ولم يفهموا منها ما فهم السيد القاضي، وهنا جوهر الأمر، حيث يتم تحكيم الدين في رقاب العباد، بينما النص الديني نفسه قابل لتعدد الفهم حوله بتعدد القراءات واختلاف الثقافات، كما أن أي نص آخر يحمل ذات المشكلة في تعدد ألوان الفهم حوله، ومن ثم يصبح الخطأ هنا - خاصة إذا كان الخطأ قاتلا - هو في فهم ما كتب نصر أبو زيد، يلتبس بخطأ آخر يتأسس على الانحياز لفهم دون فهم آخر لنصوص الدين، وهو بدوره ما ينبني على اعتبار تلك النصوص نصوصا جامدة ثابتة لا تقبل المناقشة، ويلحق بذلك نتائج هي أن أي محاولة لتحديثها أو تأويلها، أو حتى مجرد تحريكها، يعني الكفران المبين.

وقد أخذ فهم نصوص القرآن الكريم أحد طريقين، ظلا طوال التاريخ الإسلامي في حالة مد وجزر، لعبت بهما أقدار السياسة والظروف الاقتصادية والاجتماعية، حتى استقر أحد الطريقين وساد في عصور التخلف والظلام.

فالمعلوم لدى أي مسلم أن القرآن الكريم لم يتنزل على النبي

Неизвестная страница