Властелин времени: Книга и дело
رب الزمان: الكتاب وملف القضية
Жанры
لكن تظهر هنا مشكلة كبيرة، تثيرها مصداقية مدهشة للتوراة، من حيث تطابقها مع نصوص التاريخ الآثارية، حيث تنسب التوراة الفلسطينيين إلى أصول من جزيرة تسمى مرة «كفتور» ومرة «كريت»، وتسجل بهذا الشأن نصوصها من قبيل: «وهكذا قال السيد الرب: ها أنا ذا أمد يدي على الفلسطينيين، وأستأصل الكريتيين، وأهلك بقية ساحل البحر» (حزقيال، 25)، و«الرب يهلك الفلسطينيين بقية جزيرة كفتور» (إرميا، 47)، و«ويل لسكان ساحل البحر أمة الكريتيين، كلمة الرب تكون عليكم يا كنعان أرض الفلسطينيين» (صفنيا، 2)، وفي تعبير واضح لا يقبل لبسا يقول: إن بعض الهجرات تمت بفعل إلهي، يقول النص: «يقول الرب: ألم أصعد إسرائيل من أرض مصر، والفلسطينيين من كفتور ، والآراميين من قير؟» (رعاموس، 9).
وهنا المشكلة، والخلل بعينه، فإذا كانت رواية التوراة ككتاب في التاريخ قد تطابقت مع المكتشفات والسجلات الآثارية في هذه المسألة، وإذا كان كلاهما قد أكد قدوم الفلسطينيين من جزيرة كريت وبحر إيجة، فإن هناك خللا يتمثل في كيف نوفق بين قول التاريخ باستقرارهم على الساحل الفلسطيني في عهد الرعامسة، حول القرن الثاني عشر قبل الميلاد، وبين وجودهم حسب التوراة في فلسطين قبل خروج الإسرائيليين من مصر، ناهيك عن قول التوراة بوجودهم زمن البطاركة الأوائل.
وبالحسابات يقول علم التاريخ: إن الفلسطينيين قد استقروا على سواحل فلسطين بعد أن سمح لهم رمسيس الثالث بذلك، أي بعد الزمن المفترض للخروج الإسرائيلي من مصر بحوالي خمسين عاما، وبحسابات التوراة نعلم أن الإسرائيليين أقاموا بمصر 430 عاما حسب الرواية العبرية المازورية، ويضاف إليهم أربعون عاما زمن التيه في سيناء، يكون المجموع 520 سنة كاملة، إضافة إلى حوالي سبعين سنة افتراضية بين إبراهيم وحفيده يعقوب، فيكون المجموع ستة قرون كاملة، هي الفارق بين تزمين المؤرخين للخروج وبين زمن الغزو البلستي التاريخي لفلسطين، وهذا إنما يعني وجود الإسرائيليين بفلسطين قبل وصول الفلسطينيين إليها بست قرون كاملة، وهو ما لا تقول به التوراة ذاتها، أليس ذلك خللا حقيقيا؟
والإشكالية في محاولة إيجاد حل يتطلب أحد فرضين، فإما أن نتأخر بعصر الرعامسة ستة قرون إلى الوراء قبل التزمين المتفق عليه حاليا بين المؤرخين، وهو ما سيترتب عليه إشكاليات كبرى، حيث سيلحق الخلل بكل تاريخ المنطقة، الذي تم تزمينه قياسا على تزمين التاريخ المصري، وإما أن نتقدم بزمن الخروج الإسرائيلي من مصر ستة قرون، أي يكون الخروج قد حدث عام 600 قبل الميلاد، وهو غير ممكن علميا؛ لأنه سيتضارب تضاربا صارخا مع حقائق تاريخية ثابتة، وتفصيلات شتى لا تسمح بهذا الجموح في الافتراض المستحيل.
إشكالية تبحث عن حل
نعود هنا مرة أخرى لزمن البطاركة الأوائل، وقول التوراة بوجود الفلسطينيين في ذلك الزمن الأسطوري، زمن إبراهيم وإسحاق ويعقوب، لندقق النظر مرة أخرى، فنجدها إطلاقا لا تذكر أرض كنعان إلا باسم أرض كنعان، ولا ذكر لفلسطين ولا لفلسطينيين إلا عند الحديث عن مدينة واحدة بالذات هي «جرار» التي يسكنها فلسطينيون، وهو ما يضعنا أمام واحد من احتمالين: فإما أن يكون الكاتب التوراتي لهذا الجزء من التوراة - والذي كتب متأخرا بعد الألف الأولى قبل الميلاد - قد استقر في ذهنه اسم فلسطين للدلالة على تلك الأرض، فاستخدمه في غير موضعه من الزمن وأطلق اسم فلسطين السائد في زمانه على أرض كانت تحمل فقط اسم كنعان في الزمن السحيق، وإما أن تكون جرار تحديدا ووحدها دون غيرها كانت موئلا للفلسطينيين زمن البطاركة، وأن الفلسطينيين قد سكنوها كجند مرتزقة أو جالية بموافقة الفرعون، وهو الاحتمال المرجح لدينا، حيث نعلم من التاريخ أن حيا بكامله شمال شرقي مصر قد حمل اسم «الحي الجزري» زمن الرعامسة، لسكنى الإيجيين فيه، وكانت جرار أقرب المدن الفلسطينية إلى الشيحور المصري الواقع شرقي الحي الجزري تماما، وقد سمي «الجزري» نسبة للجزر، وعبدت هناك آلهة غريبة تماما على مصر، تليق بالأغراب الملتحقين بخدمة الفرعون.
والأسباب في وضع الاحتمالين واستبعاد أن تكون فلسطين مسكونة بجنس البلست زمن البطاركة، هو كما قلنا إن التوراة كانت تصفها بأرض الكنعانيين، وأنها لم تصف أي مكان فيها بالفلسطيني سوى مدينة «جرار»، هذا إضافة إلى أن الأحداث التي رافقت زمن البطاركة لم يأت فيها ذكر الفلسطينيين إطلاقا في أي وثيقة تاريخية، لا في مصر ولا في أي من دول المنطقة ولا بفلسطين ذاتها، علما أن ذلك الزمن لحقته أحداث جسام، تمثلت في غزو الهكسوس لمصر، وتذهب جلة محترمة من الباحثين إلى أن دخول بني إسرائيل إلى مصر قد حدث زمن الهكسوس، وهو زمن ما كان يسمح بدخول البلست، حيث كان الهكسوس قوة كبرى تحتل مصر ذاتها وتقهرها، مع عدم وجود أي إشارة لفلسطين بهذا الاسم ولا لهجرة باسم البلست في أركيولوجيا ذلك الزمن.
لكن التوراة من جانبها تصر زمن الخروج على وجود الفلسطينيين في فلسطين كحقيقة واقعة، والأمر هنا ليس كما في عهد البطاركة حديثا عن مدينة واحدة ، بل عن مجموعة ممالك قوية ومقتدرة للفلسطينيين بشكل لا يدع سبيلا للشك فيه، بنصوص غزيرة كثيفة ومتعددة، تحدثنا عن قراهم وأسماء زعمائهم، بل وشخصيات هامة من بنيهم، وقواد عسكريين، وشكل أسلحتهم، وحروبهم مع الإسرائيليين عند دخول الأرض، وعباداتهم، وآلهتهم، مما يشير إلى أن الفلسطينيين كانوا قد أصبحوا حقيقة مسلما بها في فلسطين ، حتى إنهم أعطوا أرض كنعان اسما جديدا هو أرض الفلسطينيين، وأن ذلك قد حدث أثناء تواجد الإسرائيليين في مصر.
محاولة حل
رغم أن آخر النظريات وأكثرها اعتمادا في الأكاديميات العالمية، تلك التي تقول باضطهاد الإسرائيليين في مصر زمن الفرعون «رمسيس الثاني»، وبخروجهم من مصر في عهد ولده الفرعون «مرنبتاح»، فإننا لا نعلم كيف وجد هؤلاء السبيل، «مثل بروغش، وبيير مونتيه، وغيرهم»، كيف وجدوا السبيل إلى التوفيق بين ذلك وبين الحقيقة التي تؤكد مجيء الفلسطينيين واستقرارهم على الساحل الكنعاني زمن «رمسيس الثالث»، أي بعد خروج الإسرائيليين من مصر حسب ذلك التزمين بحوالي خمسين عاما، بينما التوراة التي تعد لدى هؤلاء مرجعا تاريخيا أساسيا في حسابات تزمينهم للأحداث، تقول إن الخارجين قبل خروجهم كانوا يطلقون على الطريق السينائي طريق فلسطين، وعلى كنعان كلها اسم الفلسطينيين، وأنهم عندما وصلوا إليها وجدوا الفلسطينيين قوة قائمة في ممالك دخلوا معها حروبا طاحنة قبل أن يستقروا إلى جوارهم هناك.
Неизвестная страница