Властелин времени: Книга и дело
رب الزمان: الكتاب وملف القضية
Жанры
الأنثى والأرض
ويمكننا أن نرى ارتباط الأنثى الولود بالأرض، متمثلا بروعة أخاذة في أسطورة سومرية تحمل اسم «أسطورة الشعير والنعجة»، ولنلحظ بداية الشعير «وهو الحنطة رمز الخصوبة الأرضية، وأول ما دجنت المرأة من زروع، كما أن النعجة هي رمز الأنثى الأشهر»، وتتلخص الأسطورة في القول: إن البشر الأوائل قد خرجوا من تربة الأرض كما يخرج الزرع والحشيش وكل صنوف الحياة.
ويمكنك أن تجد ذات الفهم في أسطورة سومرية أخرى تحمل عنوان «هبوط إينانا إلى العالم السفلي»، وقد وضعت - فيما يبدو - لتفسير ظاهرة التناوب الفصلي بين الخصب والجدب، كما تلخص المفاهيم الأولى عن الوجود والتكوين، وتقول: إن إلهة كوكب الزهرة إينانا، كانت تهبط إلى باطن الأرض دوريا كل عام حيث عالم الموتى، وبتضحية اختيارية تتم وقت الاعتدال الخريفي، حيث يبدأ فصل الجدب على سطح الأرض بغيابها، وهي الأنثى الأم الولادة مانحة الحياة، ثم تعود مع الاعتدال الربيعي إلى سطح الأرض، ومع عودتها تخصب الأرض وتتفتح الأزاهير؛ لأن عودتها تعني بدأ عملية الإخصاب والتوالد، «فيعود الخروف إلى شاته، والثور إلى أنثاه، والزوج الغاضب إلى بيته» أو كما قالت! لذلك لم يكن غريبا - مع طرحنا - أن يتم تعديل تلك الأسطورة السومرية الزراعية، بعد سيطرة الأكاديين على بلاد سومر وقيام دولتهم المركزية، وهم من أصل رعوي بدوي خيموي، ليتحول اسم إينانا إلى عشتار وعشتروت من العشرة والمعاشرة والتعشير، لكنها لا تصبح السيدة المطلقة المسئولة عن الخصب، إنما يظهر هنا سيد جديد كان في الأساطير السومرية مجرد ذكر خامل الذكر، ضمن مجموعة عشاقها العديدين، «ترميزا لزمن الأنثى في المشاع»، ليرتفع ذلك الذكر وتعلو مكانته ويصبح هو المسئول عن الخصب ومنح الحياة واستمرار الحياة، وهو المعروف في الأساطير السامية الرافدية باسم «تموز راعي الخراف الطيب»، ويصبح هو رمز النبات الذي يموت في فصل الجدب وينزل إلى العالم السفلي، ويعود مع بداية الربيع، دون أي ارتباط بواقع الخصب اللهم إلا الارتباط بمنطق السيادة التي حققها الذكور الأكاديون، منطق نظام اجتماعي يأخذ بالسيادة الأبوية في نظمه الاجتماعية، «وهناك أمثلة عديدة يمكن للقارئ الرجوع إليها في أعمالنا المنشورة».
2
ورغم الواضح في المأثور الحضاري في المنطقة عن تراجع سيادة الأنثى، فيبدو أنها ظلت ذات وضع سيادي في عالم الاعتقاد، ومعلوم أن بقاء المعرفي المتمازج من القديم مع جينات الجديد، يظل فترة أطول من تغير الواقع المادي الأسرع في التغيير، وقد أبقى ذلك لنا ثروة طيبة، وجدنا فيها طقسا مثيرا كان يمارس في المناسبات الدينية الاحتفالية بالإلهات الإناث في المراكز الحضارية الكبرى في الشرق القديم، والطقس عبارة عن احتفالية جنسية عمومية هائلة عددا وعدة، في أيام محدودة بجوار معبد الإلهة، وكان أشرف الأعمال التي يمكن للأنثى تقديمها هي التضحية بالبكارة في هيكل الإلهة، ولا أجدني مخطئا إن احتسبت ذلك الطقس أفضل قربان يمكن تقديمه للإلهة المخصبة الولود الشبقة المنجبة مانحة الحياة، تذكرة بالأيام الخوالي أيام كان الرجال للنساء جميعا، والنساء للرجال جميعا، وإذا كان ذلك ممجوجا من قواعدنا الأخلاقية اليوم، فإنه كان حينذاك على العكس تماما، بل كان واجبا دينيا خطيرا تقدمه النساء للإلهة كي يفشو الخير وتأتي السنوات السمان، بتحريض القوى الإخصابية للأم الكبرى لتبدأ فعلها في الطبيعة، تأسيسا على مبدأ السحر التشاكلي حيث الشبيه ينتج الشبيه، وليس أدل على شرف ذلك العمل الذي يتم من أجل خير المجتمع كله من تلك اللوحة التي عثر عليها مؤخرا في طرابلس بليبيا، منقوشة على عمود شرف مرمري يعلن: أن الشريفة أورليا آماليا قد قدمت جسدها قربانا للآلهة، وأنها في تدينها أصيلة، فقد قدمت أمها وجدتها القربان ذاته، وأنه قد تم للهيئة الكهنوتية التأكد من ذلك! (انظر: فريرز، أدونيس أو تموز، ترجمة جبرا إبراهيم، ص45).
ولنلحظ استمرار التواجد الأنثوي في العبادة حتى الآن في العقيدة المسيحية، حيث تعتبر مريم أم الإله المسيح من أبيه السماوي، وهذه الأم الإلهية تستوجب الاحتفال والتقديس؛ لذلك اختصت دون بقية الأقانيم الثلاثة بصيام العذراء، الذي يصوم فيه المسيحيون عن كل ما هو حيواني، ويقتصرون فيه على الأكل النباتي لتذكير واضح لا لبس فيه، بالمجتمع الذي زعمناه في سالف الأزمان، يعيش في البيئات الخصيبة، ويستغني عن اللحم في الغذاء ويعتمد على الوفرة النباتية، وتسوده أم إلهية مقدسة، ولا ننسى التبادل بين كلمتي «نبات» و«بنات».
أما اللغة فكانت كعادتها تحمل دلالات أحفورية حملت الخبرة القديمة وما تأسس عليها من مفاهيم، تقولبت في ألفاظ تحمل دلالات تلك المفاهيم، فالكلمة قديسة هي في العبرية قديشا، وكانت في الأكادية القديمة قاديشتو، وكان إبانها اللقب الذي تحوزه العشتارية، أي المصطفاة من جموع النساء الحاشدة ليلة الحفل النزوي خارج معبد عشتار، لتقوم بدور الإلهة داخل هيكل الإلهة مع الكاهن الأكبر الذي عادة ما كان الملك يقوم بدوره (انظر كمثال فاضل عبد الواحد، عشتار ومأساة تموز، بغداد، ص158، كذلك بالمرجع السابق ص70)، أما التي كان أهلها من النبلاء يقدمونها طائعة للهيكل، فكانت تحوز لقب الإلهة الأم ذاتها وهو «البتول» وهو في الكنعانية والأكادية والعبرية «بتول، بتولتا، بتولا»، ويعني في العقائد القديمة «إشارة للإلهة» الأنثى غير المتزوجة وغير العفيفة في آن معا.
الخلق في الفهم الذكري
لأن الخلق بالميلاد في النظام الأمومي كان يعتمد مادته الأساسية دم الحيض، فإن سيطرة الذكور التامة بعد الغزو البدوي لمناطق الخصب، وسيادة النظام الذكري، كان لا بد أن تعيد صياغة الأدلوجة بما يتفق والشكل السيادي الجديد، ولأن مفهوم التكوين من الدم بات راسخا، فقد لجأت الأسطورة الذكرية إلى صياغة جديدة تتلاءم مع الظرف الجديد، تجاوزت شرط الولادة لأن الذكر لا يلد، وأخذت منحى آخر أعطى الذكر الدور الأساسي، فالآلهة الذكور عندما قرروا خلق البشر، قاموا بذبح إله يدعى «كنجو»، وعجنوا التراب بدمه ومن هذا العجين تم خلق الإنسان، وهو ما سجلته لنا الملحمة الرافدية «إينوما أيليش»، وتعني «في العلى عندما».
أما خلق الكون برمته فقد اعتمد خطأ آخر، تم فيه وصم الأنثى بصفة الشر، حيث احتسبت الأم الإلهة العظمى «تيامة» إلهة شريرة، أزعجت الآلهة الذكور، فقام إله الدولة الذكرية «مردوخ» بمنازلتها وهزيمتها، وهو تعبير واضح عن انتصار النظام الجديد، ثم قام «مردوخ» بشق «تيامة» كما تشق الصدفة إلى قسمين، رفع القسم العلوي وجعله سماء، وترك النصف السفلي ليصبح أرضا، وفي تلك التنظيرة نجد اعترافا ضمنيا بضرورة الأنثى للتكوين، فمن جسد الإلهة الكبرى تم تشكيل الكون سماء وأرضا.
Неизвестная страница