Властелин времени: Книга и дело
رب الزمان: الكتاب وملف القضية
Жанры
لعب جدل الأحداث العالمية دورا أساسيا نشطا فيما جرى من تحولات داخل جزيرة العرب، وكان تحول طرق التجارة العالمية إلى الشريان البري المار بمكة قادما من اليمن متجها نحو الإمبراطوريتين، عاملا مؤسسا لتغير أنماط الإنتاج الاقتصادي في الجزيرة، التي أخذت تنحو نحو التجارة كعماد أساسي للاقتصاد، وما تبع ذلك من تغيرات في البنى الاجتماعية، التي أخذت بدورها في التحول النوعي عن الشكل القبلي القائم على المساواة المطلقة بين أفراد القبيلة، إلى تفكك ذلك الشكل بتراكم الثروة في يد نفر من أفراد القبيلة دون نفر آخر، الشكل الطبقي الذي فجر الإطار القبلي لصالح تحالفات مصلحية بين أثرياء القبائل المختلفة، وكان الناتج الطبيعي لتفاوت توزيع الثروة، ظهور شكل مجتمعي جديد على جزيرة العرب، لترصد لنا كتب الأخبار الإسلامية أهم الشرائح المجتمعية الجديدة على خريطة النظام الطبقي الطالع، مقابل الطبقة المترفة من أثرياء تجار العرب.
فقراء العرب
وإعمالا لجدل الأحداث أخذ الفارق الطبقي بالاتساع السريع والهائل، ليصبح سواد العرب من الفقراء المستضعفين، يعملون في رعي الأنعام والفلاحة وتجارات البيع البسيط، يسكنون الخيام والعشش والأكواخ الحقيرة، ويسمعون عن الخبز ولا يأكلونه، حيث كان الخبز من علامات الوجاهة والثراء، ولا يعرفون عن اللحم سوى الصليب، وهو ودك العظام تجمع وتهشم وتغلى على النار طويلا، ليحصلوا منها على الصليب، وغالبا ما عاشوا على مطاردة ظباء الصحراء وأورالها ويرابيعها. ونقصد بهؤلاء الفقراء عربا صرحاء من أبناء قبائل متميزة، دفعتهم إلى الأسفل آلة التغير الاقتصادي والمجتمعي.
ويلي تلك الطبقة في التدني، طبقة الموالي، وهم من أبناء قبائل أخرى تركوها ولجئوا لقبائل مخالفة، أو كانوا أسرى فك أسيادهم أسرهم، أو أعاجم أرقاء أعتقهم سادتهم بمقابل. وقد شكل هؤلاء طبقة بين أبناء القبيلة الخلص الصرحاء، وبين العبيد.
ثم طبقة أخرى ظهرت بدورها نتيجة التفاوت الطبقي الحاد، وتكونت من أفراد تلبستهم روح التمرد على أوضاع المجتمع الجديد، فتصرفوا بتلك الروح فأضروا بمصالح السادة، فخلعتهم قبائلهم وتبرأت من فعالهم بإعلان مكتوب أو في الأسواق العامة، وهي الطبقة التي عرفت باسم «الخلعاء».
الصعاليك
أما أبرز تلك الطوائف أو الطبقات التي أفرزها المتغير الاقتصادي المجتمعي، فهي «الصعاليك»، وهم فئة لا تملك شيئا من وسائل الإنتاج، وتمردت على الأوضاع الطبقية، بل وشنت عليها الحرب، بخروجهم أفرادا عن قبائلهم باختيارهم، وتجمعهم على اختلاف أصولهم في عصابات مسلحة. وأبرز الأسماء التي وصلتنا منهم: عروة بن الورد، وتأبط شرا، والسليك ابن السلكة، والشنفرى، وقد أطلق عليهم العرب «الذؤبان» و«العدائين» لسرعتهم.
وقد روي عن هؤلاء أنهم كانوا ذوي سمات متميزة، من الشهامة والمروءة والنبالة، وأخلاق الفروسية، فكانوا لا يهاجمون إلا البخلاء من الأغنياء، ويوزعون ما ينهبون على الفقراء والمعدمين، بعد أن شكلوا لأنفسهم مجتمعا فوضويا، شريعته القوة، وأدواته الغزو والإغارة، وهدفه الأول السلب والنهب وهدفه الأخير تعديل الموازين المجتمعية.
وتروى لنا كتب السير والأخبار وطبقات الشعراء، أشعارا للصعاليك، ينعكس فيها الإحساس المرير بوقع الفقر عليهم وفي نفوسهم، ويضج بشكوى صارخة من الظلم الاجتماعي، وهوان منزلتهم، فهذا «قيس بن الحدادية» يخبرنا أنه لم يكن يساوي عند قومه عنزة جرباء جذماء، أما الأخبار عن الشنفرى فتروي كيف أسلمه قومه هو وأمه وأخوه رهنا لقتيل عن قبيلة أخرى، ولم يفدوهم، وكيف تصعلك الشنفرى ورفع سيف ثورته بعد أن لطمته فتاة سلامية، لأنه ناداها: يا أختي، مستنكرة أن يرتفع إلى مقامها.
ومن مثل تلك الأخبار، نستطيع تكوين فكرة واضحة عن المدى الذي فعله المال داخل القبيلة، مما أدى بالصعاليك إلى فصم علاقتهم بقبائلهم، وتكوين جماعتهم المسلحة ضد الأغنياء لينزعوا منهم مقومات الحياة الإنسانية التي أهدرها الواقع، وهو المبدأ الذي يتجلى واضحا في شعر «عروة بن الورد» وهو يقول:
Неизвестная страница