144

Рабб Тавра

رب الثورة: أوزيريس وعقيدة الخلود في مصر القديمة

Жанры

وهنا يمكنا القول بأن هذه الطبيعة الإلهية بالذات، هي ذلك الشيء الغامض الذي أسموه البا أو الروح، ويدعم ذلك ما سلف من القول بأن البا شيء يخص الملوك فقط، دون سائر الناس.

وإن الاعتقاد بأن الخلود مسألة خاصة بالآلهة فقط، لم يكن فيما يلوح قاصرا على مصر فقط، فنجد نفس التصور في عقائد شعوب الرافدين، حيث اعتبروا الخلود مسألة خاصة بالآلهة فقط، أما الموت فقد كان من نصيب البشر، فتقول أسطورة «جلجامش

Gilgamesh »: «عندما خلقت الآلهة الإنسان قدرت عليه الموت، بينما احتفظت لنفسها بالخلود»،

44

وهذا الاعتقاد في الخلود بمعناه المطلق والقاصر على الآلهة، وضع المصريين أمام خيار وحيد، فكي يكون الإنسان خالدا؛ فلا بد أن يكون إلها ، وكان هذا أيضا فيما وجدناه في عقائد الرافدين من تصورات؛ فقد زعموا أن هناك إنسانا واحدا قد نال التأليه؛ لذلك فهو الوحيد الذي نال الخلود من بين البشر، وهو «يوتانا بشتم

Utanapishtim » بطل أسطورة الطوفان وصاحب الفلك المعروف، الذي يحتمل أن تكون قصته قد انتقلت للكتاب العبري المقدس تحت عنوان «طوفان نوح».

45

ويمكن القول: إن هذا المنطق ليس غريبا، حتى على بعض الديانات الكبرى الحالية؛ فقد كان هذا الأساس الفلسفي الذي تصورناه لظهور فكرة الخلود المطلقة المصرية، هو نفسه الأساس الذي قام عليه جوهر الخلود في الديانة المسيحية، بل جوهر المسيحية برمتها؛ فقد تصور هؤلاء أنه قبل مجيء المسيح لم يكن هناك خلود، وإنما كان جميع الناس صالحا وطالحا يذهبون إلى عالم الظلام السفلي الذي أسموه الهاوية أو شيول، ولكن بمجيء المسيح، واستشهاده، وعودته للحياة، وذهابه خالدا لعالم السموات؛ لوجود الطبيعة الإلهية فيه إلى جانب الطبيعة الإنسانية، أو بتعبيرهم أن لاهوته لم يفارق ناسوته ولا لحظة واحدة، فإنه قد كتب الخلود لكل من يؤمن به، حيث سيصبح المؤمنون به بمثابة أبناء له يخلدون مثله؛ لذلك يؤكد المسيحيون ويصرون على ترديد هذا المعنى عندما ينادونه: «أبانا الذي في السموات».

46

أما كيف سيكون هذا الخلود الملكي المصري، فهذا ما يجيب عليه المتخصصون، فيرون أنه كان «خليطا من الأفكار والخيالات، فكان يعتقد أن الميت في قبره يأكل ويشرب، وأنه بين حاشية الشمس في نفس الوقت»

Неизвестная страница