Кутб аль-Вали о хадисе аль-Вали = Опека Аллаха и путь к ней
قطر الولي على حديث الولي = ولاية الله والطريق إليها
Исследователь
إبراهيم إبراهيم هلال
Издатель
دار الكتب الحديثة
Место издания
مصر / القاهرة
Жанры
تَقْدِيم
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
و[ﷺ] على سيد الْمُرْسلين، وَآله الأكرمين، وَرَضي الله عَن صحابته الأفضلين.
وَبعد.
فَإِنَّهُ لما كَانَ حَدِيث: (من عَاد لي وليا) قد اشْتَمَل على فَوَائِد كَثِيرَة النَّفْع، جليلة الْقدر لمن فهمها حق فهمها، وتدبرها كَمَا يَنْبَغِي، أَحْبَبْت أَن أفرد هَذَا الحَدِيث الْجَلِيل بمؤلف مُسْتَقل، أنشر من فَوَائده مَا تبلغ إِلَيْهِ الطَّاقَة ويصل إِلَيْهِ الْفَهم، وَمَا أحقه بِأَن يفرد بالتأليف، فَإِنَّهُ قد اشْتَمَل على كَلِمَات كلهَا دُرَر، الْوَاحِدَة مِنْهَا تحتهَا من الْفَوَائِد، مَا ستقف على الْبَعْض مِنْهُ. وَكَيف لَا يكون كَذَلِك وَقد حَكَاهُ عَن الرب سُبْحَانَهُ من أُوتِيَ جَوَامِع الْكَلم، وَمن هُوَ أفْصح من نطق بالضاد، وَخير الْعَالم بأسره، وَأجل خلق الله، وَسيد ولد آدم [ﷺ]؟
وَلم يسْتَوْف شرَّاح الحَدِيث ﵏ مَا يسْتَحقّهُ هَذَا الحَدِيث من الشَّرْح.
1 / 217
فَإِن ابْن حجر ﵀ لم يشرحه فِي فتح الْبَارِي إِلَّا بِنَحْوِ ثَلَاث ورق مَعَ أَن شَرحه أكمل شرح البُخَارِيّ، وأكثرها تَحْقِيقا، وأعمها نفعا. وَلَا حَاجَة لنا فِي الْكَلَام على رجال إِسْنَاده، فقد أجمع أهل هَذَا الشَّأْن أَن أَحَادِيث الصَّحِيحَيْنِ، أَو أَحدهمَا كلهَا من الْمَعْلُوم صدقه المتلقى بِالْقبُولِ الْمجمع على ثُبُوته. وَعند هَذِه الإجماعات تنْدَفع كل شُبْهَة، وَيَزُول كل تشكيك.
وَقد دفع أكَابِر الْأَئِمَّة من تعرض للْكَلَام على شَيْء مِمَّا فيهمَا، وردوه أبلغ رد، وبينوا صِحَّته أكمل بَيَان. فَالْكَلَام على إِسْنَاده بعد هَذَا، لَا يَأْتِي بفائدة يعْتد بهَا. فَكل رُوَاته قد جازوا القنطرة، وارتفع عَنْهُم القيل والقال، وصاروا أكبر من أَن يتَكَلَّم فيهم بِكَلَام، أَو يتناولهم طعن طَاعن، أَو توهين موهن.
وسميته (قطر الْوَلِيّ على حَدِيث الْوَلِيّ) . قَالَ فِي الصِّحَاح: وَالْوَلِيّ الْمَطَر
1 / 218
بعد الوسمى، سمي وليا لِأَنَّهُ يَلِي الوسمى. وَهُوَ من
حَدِيث أبي هُرَيْرَة. وَلَفظه فِي البُخَارِيّ هَكَذَا. قَالَ: قَالَ رَسُول الله [ﷺ]: (إِن الله ﵎ قَالَ: من عادى لي وليا، فقد آذنته بِالْحَرْبِ، وَمَا تقرب إليَّ عَبدِي بِشَيْء أحب إِلَيّ مِمَّا افترضت عَلَيْهِ، وَمَا يزَال عَبدِي يتَقرَّب إليَّ بالنوافل حَتَّى أحببته فَإِذا أحببته، كنت سَمعه الَّذِي يسمع بِهِ، وبصره الَّذِي يُبصر بِهِ، وَيَده الَّذِي يبطش بهَا، وَرجله الَّذِي يمشي بهَا، وَإِن سَأَلَني أَعْطيته، وَإِن استعاذني أعذته، وَمَا ترددت عَن شَيْء أَنا فَاعله ترددى عَن نفس الْمُؤمن يكره الْمَوْت، وأكره إساءته ". انْتهى.
1 / 219
قَوْله: " إِن الله [تبَارك] وَتَعَالَى "، قَالَ: هَذَا من الْأَحَادِيث الإلهية القدسية، وَهُوَ يحْتَمل أَن يكون مِمَّا تَلقاهُ [ﷺ]، عَن ربه بِلَا وَاسِطَة، وَيحْتَمل أَن يكون مِمَّا تَلقاهُ [ﷺ] عَن ربه بِوَاسِطَة الْملك. قَالَ الْكرْمَانِي: " يحْتَمل أَن يكون من الْأَحَادِيث القدسية، وَيحْتَمل أَن يكون لبَيَان الْوَاقِع وَالرَّاجِح الأول ".
وَقد وَقع فِي بعض طرق هَذَا الحَدِيث أَنه [ﷺ] حدث بِهِ عَن جِبْرِيل عَن الله ﷿.
1 / 220
الْفَصْل الأول
من هُوَ الْوَلِيّ؟
1 / 221
فارغة.
1 / 222
قَوْله: من عادى لي وليا. قَالَ فِي الصِّحَاح: وَالْوَلِيّ ضد الْعَدو انْتهى. وَالْولَايَة ضد الْعَدَاوَة. وأصل الْولَايَة الْمحبَّة والتقرب كَمَا ذكره أهل اللُّغَة، وأصل الْعَدَاوَة البغض والبعد. قَالَ ابْن حجر فِي فتح الْبَارِي: المُرَاد بولِي الله الْعَالم بِاللَّه تَعَالَى [المواظب] على طَاعَته المخلص فِي عِبَادَته " انْتهى.
وَهَذَا التَّفْسِير للْوَلِيّ، هُوَ الْمُنَاسب لِمَعْنى الْوَلِيّ الْمُضَاف إِلَى الرب سُبْحَانَهُ. وَيدل على ذَلِك مَا فِي الْآيَات القرآنية. كَقَوْلِه سُبْحَانَهُ: ﴿أَلا إِن أَوْلِيَاء الله لَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ الَّذين آمنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُم الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة لَا تَبْدِيل لكلمات الله ذَلِك هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم﴾
وَكَقَوْلِه ﷿: ﴿الله ولي الَّذين آمنُوا يخرجهم من الظُّلُمَات إِلَى النُّور﴾ .
وَكَقَوْلِه سُبْحَانَهُ: (يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا من يرْتَد مِنْكُم عَن دينه فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ، أَذِلَّة على الْمُؤمنِينَ أعزة على الْكَافرين، يجاهدون فِي سَبِيل الله، وَلَا يخَافُونَ لومة لائم، ذَلِك فضل الله يؤتيه من يَشَاء، وَالله وَاسع عليم. إِنَّمَا وَلِيكُم الله وَرَسُوله وَالَّذين آمنُوا الَّذين يُقِيمُونَ الصَّلَاة وَيُؤْتونَ الزَّكَاة وهم رَاكِعُونَ. وَمن يتول الله وَرَسُوله وَالَّذين آمنُوا، فَإِن حزب الله هم
1 / 223
الغالبون﴾ . وَغير ذَلِك من الْآيَات. فأولياء الله هم خلص عباده القائمون بطاعاته المخلصون لَهُ.
أفضل الْأَوْلِيَاء:
وَأفضل أَوْلِيَاء الله هم الْأَنْبِيَاء، وَأفضل الْأَنْبِيَاء هم المُرْسَلُونَ، وَأفضل الرُّسُل هم أولو الْعَزْم: نوح وَإِبْرَاهِيم ومُوسَى وَعِيسَى، وَمُحَمّد [ﷺ] . وَأفضل أولي الْعَزْم نَبينَا مُحَمَّد [ﷺ]، وَهُوَ الَّذِي أنزل الله سُبْحَانَهُ عَلَيْهِ: ﴿قل إِن كُنْتُم تحبون الله فَاتبعُوني يحببكم الله﴾ فَجعل سُبْحَانَهُ صدق محبَّة الله ﷿ متوقفة على اتِّبَاعه، وَجعل اتِّبَاعه سَبَب حُصُول الْمحبَّة من الله سُبْحَانَهُ.
وَقد ادَّعَت الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَنهم أَبنَاء الله وأحباؤه وأولياؤه. ﴿قل فَلم يعذبكم بذنوبكم، بل أَنْتُم بشر مِمَّن خلق، يغْفر لمن يَشَاء، ويعذب من يَشَاء، وَللَّه ملك السَّمَوَات وَالْأَرْض، وَمَا بَينهمَا وَإِلَيْهِ الْمصير﴾ . بل ادعوا أَنه لَا يدْخل الْجنَّة إِلَّا من كَانَ مِنْهُم. (وَقَالُوا لن يدْخل الْجنَّة إِلَّا من كَانَ هودًا أَو نَصَارَى تِلْكَ أمانيهم، قل هاتوا برهانكم إِن كُنْتُم صَادِقين.
1 / 224
بلَى من أسلم وَجهه لله وَهُوَ محسن، فَلهُ أجره عِنْد ربه، وَلَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ﴾ . بل قد ادّعى ذَلِك مشركو الْعَرَب كَمَا حكى الله سُبْحَانَهُ ذَلِك عَنْهُم بقوله: ﴿وَإِذ يمكر بك الَّذين كفرُوا ليثبتوك، أَو يَقْتُلُوك، أَو يخرجوك، ويمكرون ويمكر الله وَالله خير الماكرين﴾ إِلَى قَوْله: ﴿وَمَا كَانُوا أولياءه، إِن أولياؤه إِلَّا المتقون، وَلَكِن أَكْثَرهم لَا يعلمُونَ﴾ . وهم فِي الْحَقِيقَة أَوْلِيَاء الشَّيْطَان، كَمَا قَالَ ﷿: ﴿الَّذين آمنُوا يُقَاتلُون فِي سَبِيل الله، وَالَّذين كفرُوا يُقَاتلُون فِي سَبِيل الطاغوت، فَقَاتلُوا أَوْلِيَاء الشَّيْطَان، إِن كيد الشَّيْطَان كَانَ ضَعِيفا﴾ وَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿فَإِذا قَرَأت الْقُرْآن، فاستعذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم، إِنَّه لَيْسَ لَهُ سُلْطَان على الَّذين آمنُوا وعَلى رَبهم يَتَوَكَّلُونَ. إِنَّمَا سُلْطَانه على الَّذين يتولونه، وَالَّذين هم بِهِ مشركون﴾ . وَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿وَإِذ قُلْنَا للْمَلَائكَة اسجدوا لآدَم فسجدوا، إِلَّا إِبْلِيس كَانَ من الْجِنّ، ففسق عَن أَمر ربه، أفتتخذونه وَذريته أَوْلِيَاء من دوني، وهم لكم عَدو بئس للظالمين بَدَلا﴾ . [وَقَالَ سُبْحَانَهُ]: ﴿وَمن يتَّخذ الشَّيْطَان وليا من دون الله فقد خسر خسرانًا مُبينًا﴾ وَقَالَ سُبْحَانَهُ: (الله ولي الَّذين آمنُوا يخرجهم
1 / 225
من الظُّلُمَات إِلَى النُّور، وَالَّذين كفرُوا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النُّور إِلَى الظُّلُمَات﴾ .
وَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُم الشَّيْطَان يخوف أولياءه، فَلَا تخافوهم، وخافون إِن كُنْتُم مُؤمنين﴾ ﴿وَقَالَ﴾ (إِنَّا جعلنَا الشَّيَاطِين أَوْلِيَاء للَّذين لَا يُؤمنُونَ﴾ وَقَالَ: ﴿اتَّخذُوا الشَّيَاطِين أَوْلِيَاء من دون الله، وَيَحْسبُونَ أَنهم مهتدون﴾ وَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿إِن الشَّيَاطِين ليوحون إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ ليجادلوكم﴾ . وَقَالَ الْخَلِيل [ﷺ]: ﴿يَا أَبَت إِنِّي أَخَاف أَن يمسك عَذَاب من الرَّحْمَن فَتكون الشَّيْطَان وليا﴾ . وَثَبت عَنهُ [ﷺ] فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا أَنه قَالَ: " إِن آل أبي فلَان لَيْسُوا لي بأولياء، إِنَّمَا ووليِّي الله وَصَالح الْمُؤمنِينَ ". وَهُوَ كَقَوْل الله سُبْحَانَهُ: ﴿وَإِن تظاهرا عَلَيْهِ، فَإِن الله هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيل وَصَالح الْمُؤمنِينَ، وَالْمَلَائِكَة بعد ذَلِك ظهير﴾ .
طَبَقَات الْأَوْلِيَاء:
قَالَ الإِمَام تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية ﵀: " (فصل) وأولياء الله
1 / 226
على طبقتين: سَابِقُونَ مقربون، وأبرار أَصْحَاب يَمِين مقتصدون. ذكرهم الله سُبْحَانَهُ فِي عدَّة مَوَاضِع من كِتَابه، فِي أول الْوَاقِعَة، وَآخِرهَا، وَفِي سُورَة الْإِنْسَان، والمطففين، وَفِي سُورَة فاطر، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ ذكر فِي الْوَاقِعَة، الْقِيَامَة الْكُبْرَى فِي أَولهَا، وَذكر الْقِيَامَة الصُّغْرَى فِي آخرهَا، فَقَالَ فِي أَولهَا: ﴿إِذا وَقعت الْوَاقِعَة لَيْسَ لوقعتها كَاذِبَة خافضة رَافِعَة إِذا رجت الأَرْض رجا وبست الْجبَال بسا فَكَانَت هباء منبثا وكنتم أَزْوَاجًا ثَلَاثَة فأصحاب الميمنة مَا أَصْحَاب الميمنة وَأَصْحَاب المشأمة مَا أَصْحَاب المشأمة وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ المقربون فِي جنَّات النَّعيم ثلة من الْأَوَّلين وَقَلِيل من الآخرين﴾ . فَهَذَا تَقْسِيم النَّاس إِذا قَامَت الْقِيَامَة الْكُبْرَى الَّتِي يجمع الله فِيهَا الْأَوَّلين والآخرين كَمَا وصف فِي كِتَابه فِي غير مَوضِع. ثمَّ قَالَ فِي آخر السُّورَة " فلولا "، أَي فَهَلا، ﴿إِذا بلغت الْحُلْقُوم وَأَنْتُم حِينَئِذٍ تنْظرُون وَنحن أقرب إِلَيْهِ مِنْكُم وَلَكِن لَا تبصرون فلولا إِن كُنْتُم غير مدينين ترجعونها إِن كُنْتُم صَادِقين فَأَما إِن كَانَ من المقربين فَروح وَرَيْحَان وجنة نعيم وَأما إِن كَانَ من أَصْحَاب الْيَمين فسلام لَك من أَصْحَاب الْيَمين وَأما إِن كَانَ من المكذبين الضَّالّين فَنزل من حميم وتصلية جحيم إِن هَذَا لَهو حق الْيَقِين فسبح باسم رَبك الْعَظِيم﴾ . وَقَالَ فِي سُورَة الْإِنْسَان: (إِنَّا هديناه السبيلا إِمَّا شاكرا وَإِمَّا كفورا. إِنَّا أَعْتَدْنَا للْكَافِرِينَ سلاسل وأغلالا وسعيرًا، إِن الْأَبْرَار يشربون من كأس كَانَ مزاجها كافورًا عينا يشرب بهَا عباد الله يفجرونها تفجيرًا. يُوفونَ بِالنذرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَره مُسْتَطِيرا. ويطعمون الطَّعَام على حَبَّة مِسْكينا ويتيما وأسيرا إِنَّمَا نطعمكم لوجه الله لَا نُرِيد مِنْكُم جَزَاء وَلَا
1 / 227
شكُورًا﴾ الْآيَات.
وَكَذَلِكَ فِي سُورَة المطففين: ﴿كلا إِن كتاب الْفجار لفي سِجِّين، وَمَا أَدْرَاك مَا سِجِّين. كتاب مرقوم. ويل يَوْمئِذٍ للمكذبين. الَّذين يكذبُون بِيَوْم الدّين وَمَا يكذب بِهِ إِلَّا كل مُعْتَد أثيم. إِذا تتلى عَلَيْهِ آيَاتنَا قَالَ أساطير الْأَوَّلين. كلا بل ران على قُلُوبهم مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ. كلا إِنَّهُم عَن رَبهم يَوْمئِذٍ لمحجوبون. ثمَّ إِنَّهُم لصالوا الْجَحِيم. ثمَّ يُقَال هَذَا الَّذِي كُنْتُم بِهِ تكذبون، كلا إِن كتاب الْأَبْرَار لفي عليين. وَمَا أَدْرَاك مَا عليون. كتاب مرقوم يشهده المقربون. إِن الْأَبْرَار لفي نعيم. على الأرائك ينظرُونَ. تعرف فِي وُجُوههم نَضرة النَّعيم يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك. وَفِي ذَلِك فَلْيَتَنَافَس الْمُتَنَافسُونَ ومزاجه من تسنيم عينا يشرب بهَا المقربون﴾ . فَعَن ابْن عَبَّاس وَغَيره من السّلف: قَالُوا يمزج لأَصْحَاب الْيمن مزجا. وَيشْرب بهَا المقربون صرفا. وَهُوَ كَمَا قَالُوا، فَإِنَّهُ قَالَ يشرب بهَا المقربون وَلم يقل مِنْهَا. لِأَنَّهُ ضمن قَوْله يشرب معنى يرْوى، فَإِن الشَّارِب قد يرْوى وَقد لَا يرْوى. فَإِذا قيل يشرب مِنْهَا لم يدل على الرِّي، وَإِذا قَالَ يشرب بهَا كَانَ الْمَعْنى يُرْوَون بهَا فَلَا يَحْتَاجُونَ مَعهَا إِلَى مَا هُوَ
1 / 228
دونهَا. فَلهَذَا شَرِبُوهَا صرفا. بِخِلَاف أَصْحَاب الْيَمين فَإِنَّهَا مزجت لَهُم مزجا. وَهُوَ كَمَا قَالَ فِي سُورَة الْإِنْسَان: ﴿كَانَ مزاجها كافورا عينا يشرب بهَا عباد الله يفجرونها تفجيرا﴾ .
فَعبَّاد الله هم المقربون المذكورون فِي تِلْكَ السُّورَة.
وَهَذَا لِأَن الْجَزَاء من جنس الْعَمَل، فِي الْخَيْر وَالشَّر، كَمَا قَالَ [ﷺ]: " من نفس [عَن] مُؤمن كربَة، من كرب الدُّنْيَا نفس الله الله عَنهُ كربَة من كرب يَوْم الْقِيَامَة، وَمن يسر على مُعسر يسر الله عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَمن ستر مُسلما، ستره الله فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة. وَالله فِي عون العَبْد مَا كَانَ [العَبْد] فِي عون أَخِيه، وَمن سلك طَرِيقا يلْتَمس (فِيهَا) علما سهل الله لَهُ طَرِيقا إِلَى الْجنَّة، وَمَا اجْتمع قوم فِي بَيت من بيُوت الله يَتلون كتاب الله، [وَيَتَدَارَسُونَهُ] بَينهم إِلَّا نزلت عَلَيْهِم السكينَة وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَة، وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَة، وَذكرهمْ الله تَعَالَى فِيمَن عِنْده، وَمن بطأ بِهِ عمله، لم
1 / 229
يسْرع بِهِ نسبه ". رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه. وَقَالَ: " الراحمون يرحمهم الرَّحْمَن، ارحموا من فِي الأَرْض يَرْحَمكُمْ من فِي السَّمَاء ". قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث صَحِيح. وَفِي الصَّحِيح: " يَقُول الله تَعَالَى: خلقت الرَّحِم، وشققت لَهَا اسْما من اسْمِي، فَمن وَصلهَا، وصلته، وَمن قطعهَا، قطعته ". وَقَالَ " من وصل صفا وَصله الله، وَمن قطعه قطعه الله ". وَمثل هَذَا كثير ".
" وَقد ذكر الله أولياءه الْمُقْتَصِدِينَ؛ والسابقين، فِي سُورَة فاطر بقوله: ﴿ثمَّ أَوْرَثنَا الْكتاب الَّذين اصْطَفَيْنَا من عبادنَا، فَمنهمْ ظَالِم لنَفسِهِ وَمِنْهُم مقتصد وَمِنْهُم سَابق بالخيرات، بِإِذن الله ذَلِك هُوَ الْفضل الْكَبِير. جنَّات عدن يدْخلُونَهَا يحلونَ فِيهَا من أساور من ذهب، ولؤلؤا ولباسهم فِيهَا حَرِير. وَقَالُوا الْحَمد لله الَّذِي أذهب عَنَّا الْحزن إِن رَبنَا لغَفُور شكور. الَّذِي أحلنا دَار المقامة من فَضله لَا يمسنا فِيهَا نصب، وَلَا يمسنا فِيهَا لغوب ".
وَهَذِه الْأَصْنَاف الثَّلَاثَة هم أمة مُحَمَّد ([ﷺ]﴾ خَاصَّة
1 / 230
كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ثمَّ أَوْرَثنَا الْكتاب الَّذين اصْطَفَيْنَا من عبادنَا﴾ الْآيَة. وَأمة مُحَمَّد ([ﷺ]) هم الَّذين أورثوا الْكتاب بعد الْأُمَم الْمُتَقَدّمَة. وَلَيْسَ ذَلِك مُخْتَصًّا بحفاظ الْقُرْآن بل كل من آمن بِالْقُرْآنِ فَهُوَ من هَؤُلَاءِ. وقسمهم إِلَى ظَالِم لنَفسِهِ، ومقتصد، وسابق بالخيرات. بِخِلَاف الْآيَات الَّتِي فِي الْوَاقِعَة والمطففين، والانفطار وَالْإِنْسَان. فَإِنَّهُ دخل فِيهَا جَمِيع الْأُمَم الْمُتَقَدّمَة كافرهم، ومؤمنهم.
وَهَذَا التَّقْسِيم لأمة مُحَمَّد [ﷺ] . فالظالم لنَفسِهِ أَصْحَاب الذُّنُوب المصرون عَلَيْهَا. والمقتصد الْمُؤَدِّي للفرائض المجتنب للمحارم، وَالسَّابِق بالخيرات هُوَ الْمُؤَدِّي للفرائض والنوافل المجتنب للمحرمات والمكروهات كَمَا فِي تِلْكَ الْآيَات.
ثمَّ ذكر الله سُبْحَانَهُ المفاضلة بَين أوليائه الْمُؤمنِينَ، فَقَالَ: ﴿انْظُر كَيفَ فضلنَا بَعضهم على بعض وللآخرة أكبر دَرَجَات وأكبر تَفْضِيلًا﴾ . بل بَين سُبْحَانَهُ التَّفَاضُل بَين أنبيائه فَقَالَ: ﴿تِلْكَ الرُّسُل فضلنَا بَعضهم على بعض، مِنْهُم من كلم الله وَرفع بَعضهم دَرَجَات وآتينا عِيسَى بن مَرْيَم الْبَينَات وأيدناه بِروح الْقُدس﴾ . وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَقَد فضلنَا بعض النَّبِيين على بعض وآتينا دَاوُد زبورا﴾ .
1 / 231
وَفِي
صَحِيح مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة عَنهُ [ﷺ] أَنه قَالَ: (الْمُؤمن الْقوي خير وَأحب إِلَى الله من الْمُؤمن الضَّعِيف، وَفِي كل خير، احرص على مَا ينفعك واستعن بِاللَّه وَلَا تعجز، وَإِن أَصَابَك شَيْء فَلَا تقل لَو أَنِّي فعلت كَذَا لَكَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِن قل قدر الله وَمَا شَاءَ فعل، فَإِن لَو تفتح عمل الشَّيْطَان) . وَفِي
سنَن أبي دَاوُد عَن عَوْف بن مَالك أَنه حَدثهمْ أَن النَّبِي ([ﷺ]) قضى بَين رجلَيْنِ، فَقَالَ الْمقْضِي عَلَيْهِ لما أدبر: حسبي الله وَنعم الْوَكِيل، فَقَالَ النَّبِي [ﷺ]: (إِن الله يلوم على الْعَجز وَلَكِن عَلَيْك بالكَيس فَإِذا غلبك أَمر فَقل حسبي الله وَنعم الْوَكِيل) .
وَفِي
الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا عَن أبي هُرَيْرَة وَعَمْرو بن الْعَاصِ عَن النَّبِي ([ﷺ]) قَالَ: (إِذا اجْتهد الْحَاكِم فَأصَاب فَلهُ أَجْرَانِ، وَإِذا اجْتهد فَأَخْطَأَ فَلهُ أجر ". وروى من طرق خَارج الصَّحِيحَيْنِ " أَن للمصيب عشرَة أجور ".
1 / 232
وَقَالَ الله سُبْحَانَهُ: ﴿لَا يَسْتَوِي مِنْكُم من أنْفق من قبل الْفَتْح وَقَاتل أُولَئِكَ أعظم دَرَجَة من الَّذين أَنْفقُوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الْحسنى﴾ وَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ من الْمُؤمنِينَ غير أولي الضَّرَر وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل الله بِأَمْوَالِهِمْ وأنفسهم فضل الله الْمُجَاهدين بِأَمْوَالِهِمْ وأنفسهم على القاعدين دَرَجَة وكلا وعد الله الْحسنى وَفضل الله الْمُجَاهدين على القاعدين أجرا عَظِيما دَرَجَات مِنْهُ ومغفرة وَرَحْمَة وَكَانَ الله غَفُورًا رحِيما﴾ . وَقَالَ: ﴿أجعلتم سِقَايَة الْحَاج وَعمارَة الْمَسْجِد الْحَرَام كمن آمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر وجاهد فِي سَبِيل الله لَا يستوون عِنْد الله وَالله لَا يهدي الْقَوْم الظَّالِمين الَّذين آمنُوا وَهَاجرُوا وَجَاهدُوا فِي سَبِيل الله بِأَمْوَالِهِمْ وأنفسهم أعظم دَرَجَة عِنْد الله وَأُولَئِكَ هم الفائزون يبشرهم رَبهم برحمة مِنْهُ ورضوان وجنات لَهُم فِيهَا نعيم مُقيم خَالِدين فِيهَا أبدا إِن الله عِنْده أجر عَظِيم﴾ . وَقَالَ: ﴿أَمن هُوَ قَانِت آنَاء اللَّيْل سَاجِدا وَقَائِمًا يحذر الْآخِرَة ويرجو رَحْمَة ربه قل هَل يَسْتَوِي الَّذين يعلمُونَ وَالَّذين لَا يعلمُونَ إِنَّمَا يتَذَكَّر أولُوا الْأَلْبَاب﴾ . وَقَالَ: ﴿يرفع الله الَّذين آمنُوا مِنْكُم وَالَّذين أُوتُوا الْعلم دَرَجَات وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير﴾ .
الْأَوْلِيَاء غير الْأَنْبِيَاء لَيْسُوا بمعصومين:
وَاعْلَم أَن أَوْلِيَاء الله غير الْأَنْبِيَاء لَيْسُوا بمعصومين، بل يجوز عَلَيْهِم مَا يجوز
1 / 233
على سَائِر عباد الله الْمُؤمنِينَ. لكِنهمْ قد صَارُوا فِي رُتْبَة رفيعة ومنزلة عليَّه. فقلَّ أَن يَقع مِنْهُم مَا يُخَالف الصَّوَاب وينافي الْحق. فَإِذا وَقع ذَلِك فَلَا يخرجهم عَن كَونهم أَوْلِيَاء الله. كَمَا يجوز أَن يُخطئ الْمُجْتَهد وَهُوَ مأجور على خطئه حَسْبَمَا تقدم أَنه إِذا اجْتهد فَأصَاب فَلهُ أَجْرَانِ، وَإِن اجْتهد فَأَخْطَأَ فَلهُ أجر.
وَقد تجَاوز الله سُبْحَانَهُ لهَذِهِ الْأمة عَن الْخَطَأ وَالنِّسْيَان، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿رَبنَا لَا تُؤَاخِذنَا إِن نَسِينَا أَو أَخْطَأنَا﴾ . وَقد ثَبت فِي الصَّحِيح " أَن الله سُبْحَانَهُ قَالَ: بعد كل دَعْوَة من هَذِه الدَّعْوَات قد فعلت ". وَحَدِيث " رفع عَن أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان " قد كثرت طرقه حَتَّى صَار من قسم الْحسن لغيره كَمَا هُوَ مَعْرُوف عِنْد أهل هَذَا الْفَنّ.
المقياس فِي قبُول الْوَاقِعَات والمكاشفات:
وَلَا يجوز للْوَلِيّ أَن يعْتَقد فِي كل مَا يَقع لَهُ من الْوَاقِعَات والمكاشفات أَن ذَلِك كَرَامَة من الله سُبْحَانَهُ. فقد يكون من تلبيس الشَّيْطَان ومكره.
بل الْوَاجِب عَلَيْهِ أَن يعرض أَقْوَاله وأفعاله على الْكتاب وَالسّنة، فَإِن كَانَت مُوَافقَة لَهَا فَهِيَ حق وَصدق وكرامة من الله سُبْحَانَهُ. وَإِن كَانَت مُخَالفَة لشَيْء من ذَلِك، فَليعلم أَنه مخدوع ممكور بِهِ قد طمع مِنْهُ الشَّيْطَان فَلبس عَلَيْهِ.
إِمْكَان وُقُوع المكاشفات
وَلَيْسَ لمنكر أَن يُنكر على أَوْلِيَاء الله مَا يَقع مِنْهُم من المكاشفات
1 / 234
الصادقة الْمُوَافقَة للْوَاقِع. فَهَذَا بَاب قد فَتحه رَسُول الله [ﷺ]، كَمَا ثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنهُ [ﷺ] أَنه قَالَ: " قد كَانَ فِي الْأُمَم قبلكُمْ محدَّثون فَإِن يكن فِي أمتِي أحد مِنْهُم فعمر مِنْهُم ". وَفِي لفظ فِي الصَّحِيح: " إِن فِي هَذِه الْأمة محدَّثين وَإِن مِنْهُم عمر ". والمحدَّث الصَّادِق الظَّن الْمُصِيب الفراسة. وَحَدِيث: " اتَّقوا فراسة الْمُؤمن فَإِنَّهُ يرى بِنور الله " أخرجه التِّرْمِذِيّ وَحسنه.
الْوَاجِب على الْوَلِيّ فِيمَا يصدر من أَعمال:
وَقد كَانَ عمر ﵁ مَعَ كَونه مشهودا لَهُ بِأَنَّهُ من الْمُحدثين بِالنَّصِّ النَّبَوِيّ يشاور الصَّحَابَة ويشاورونه، ويراجعهم ويراجعونه، ويحتج عَلَيْهِم بِالْكتاب وَالسّنة، ويرجعون جَمِيعًا إِلَيْهِمَا، ويردون مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَمر الله بِالرَّدِّ إِلَيْهِ من الرَّد إِلَى الله سُبْحَانَهُ وَإِلَى رَسُوله [ﷺ]، فالرد إِلَى الله هُوَ الرَّد إِلَى كِتَابه وَالرَّدّ إِلَى رَسُول الله [ﷺ] بعد مَوته هُوَ الرَّد إِلَى مَا صَحَّ من سنته.
1 / 235
فَحق على الْوَلِيّ وَإِن بلغ فِي الْولَايَة إِلَى أَعلَى مقَام وَأَرْفَع مَكَان، أَن يكون مقتديا بِالْكتاب وَالسّنة، وازنًا لأفعاله وأقواله بميزان هَذِه الشَّرِيعَة المطهرة، وَاقِفًا على الْحَد الَّذِي رسم فِيهَا غير زائغ عَنْهَا فِي شَيْء من أُمُوره، فقد ثَبت عَنهُ [ﷺ] فِي الصَّحِيح أَنه قَالَ: " كل أَمر لَيْسَ على أمرنَا فَهُوَ رد ". وَإِذا ورد عَلَيْهِ وَارِد يُخَالف الشَّرِيعَة رده، واعتقد أَنه من الشَّيْطَان، ويدافع ذَلِك بِحَسب استطاعته، وَبِمَا تبلغ إِلَيْهِ قدرته. قَالَ الله سُبْحَانَهُ ﴿فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم﴾ . وَقَالَ تَعَالَى ﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله حق تُقَاته﴾ . وَقَالَ تَعَالَى: ﴿لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا وسعهَا لَهَا مَا كسبت وَعَلَيْهَا مَا اكْتسبت﴾ . وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَالَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات لَا نكلف نفسا إِلَّا وسعهَا أُولَئِكَ أَصْحَاب الْجنَّة هم فِيهَا خَالدُونَ﴾ . وَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿وأوفوا الْكَيْل وَالْمِيزَان بِالْقِسْطِ لَا نكلف نفسا إِلَّا وسعهَا﴾ وَمن خَالف هَذَا مِمَّن يُطلق عَلَيْهِ اسْم الْوَلِيّ فَلَيْسَ من أَوْلِيَاء الله ﷿.
وَمَا أحسن مَا قَالَه (أَبُو سُلَيْمَان الدَّارَانِي): (إِنَّهَا لتقع فِي قلبِي النُّكْتَة
1 / 236