Утешение глаз в избранных Ливана
قرة العين في خريدة لبنان
Жанры
ولم يكن التخلص من مثل هؤلاء الطالبين بأمر السهل، وبعضهم ظنوا أن رفضها ناتج عن احتقار لهم، فسعوا في اضطهاد هذه البنت القديسة، وحاولوا أيضا أن يلقوا عليها التهم الشنيعة، ولكن خابت مساعيهم؛ إذ لم يكن في الضيعة من يصدق تلك الإشاعات القبيحة في حقها، ولا يظن السوء في أنيسة إلا من يشك في الفضيلة عينها.
ولم تخل مع ذلك من مقاساة الإهانات، وما يصعب تصديقه أن الذين خلصتهم من الموت ونشلتهم من وهدة الفقر هم نفسهم ألحقوا بها الأذى، فتلك حالة العالم، ومصائب هذه الابنة الكريمة أغلقت دونها أبواب القلوب عوض أن تستميل إليها الجميع.
هذا، ولم ينفك طلاب أنيسة عن ملاحقتها، وإنما توقف فارس عبود وحده عن الإلحاح لما رأى ثبات عزمها، لكنه عمد إلى حيلة نغصت عيشها، فإنه دنا منها ذات يوم وفي يده رسالة حاشيتها سوداء، وقال لها: قد وصلت أخبار عن حنا الطويل.
فلما سمعت أنيسة ذكرك برقت عيناها وسألت قائلة: ما يكون الخبر؟ فأجاب فارس بمظاهر الحزن الشديد: ما هو خبر سار. - أهو مريض؟ - يا ليته ... لكن ... - أفمات؟ قل بحياتك، قل لي الحقيقة، لا تخف عني شيئا.
فلم يكن من فارس إلا أنه نشر تلك الرسالة وقرأ مضمونها زاعما أن كاتبها أحد أنسباء حنا غنطوس المقيم في الإسكندرية، وهو يقول فيها: إن المركب الإنكليزي الذي سافر عليه حنا قد غرق، وإن كل الركاب هلكوا، وإن الربان مع بعض الملاحين تمكنوا وحدهم من النجاة.
وكان وجه أنيسة وقت القراءة قد علاه اصفرار الموت، وكل جسمها يرتجف، فقال فارس بكل فظاظة: لم يعد لك إذن من رجاء، فانظري فيما تعتمدين، فإن قلبي لم يزل على حاله رغما عن رفضك في الماضي، فأنت الآن فقيرة يتيمة، لا سند لك ومع ذلك إني أعرض عليك اليوم كمن ذي قبل أن تكوني شريكتي في مالي وبيتي وأرزاقي، فهل تقبلين؟
فلما سمعت أنيسة هذا الكلام عادت إلى نفسها، وكفكفت دمعتها، وقالت له بمنتهى العزم: أنت يا فارس أظهرت في كل آن الصدق والمروءة، وطالما دفعت عني شر المضطهدين، وأفضل وسيلة لأبدي لك شكري هي أن أخاطبك اليوم بصراحة، اعلم يا فارس أني لست مطلقة الحرية، فقد خلقت لحنا، إنني أنتظر رجوعه، فلا أخلف وعدي ولو قضي علي الصبر ثلاثين سنة، والآن أكرر أمامك اليمين أني أثبت على عهده ولو نزلت إلى قبري، إنما قلبي يحدثني أن حنا لم يمت، وأنه لا ريب يعود.
فلما تأكد فارس ثبات عزمها زينت له مروءته ألا يعود إلى ملاحقتها، وقد أعجب بشهامتها، فقال لها بصوت التأثر: أنيسة، إنك حرة، وليس لي عليك حق، ولكن اذكري دائما أن فارسا عبودا مخلص لك، وأنه يجود في سبيلك بكل عزيز ليبرهن لك عن وداده.
وفي الواقع، إن فارسا لم ينفك من ذلك الحين عن الإحسان إليها.
8
Неизвестная страница