192

قصص من التاريخ

قصص من التاريخ

Издатель

دار المنارة للنشر والتوزيع

Номер издания

العاشرة

Год публикации

١٤٢٧ هـ - ٢٠٠٧ م

Место издания

جدة - المملكة العربية السعودية

Жанры

خيالها فتطمئن إليه وتجد فيه صبابة نفسها وبُلغة أمانيها، وترى هذه الفتاة وقد أهديت إلى بعلها الذي خلا كيسه من المال، ولكن نفسه فاضت بالحب، فشاركته حبه وفقره، وأقامت من نفسها أنيسًا لنفسه وخادمًا لبيته وسائسًا لفرسه، تلتقط لها النوى ثم تدقه وهي سعيدة هانئة، تعيش لبيتها وزوجها الذي تنهل السعادة من نظراته وكلماته، وتقبس الهناءة من حبه وإخلاصه. فاستراح قلبها إلى هذا الخيال الذي ترى، وشعرت كأن دم الشباب قد عاد يجري في عروقها بحراراته وتوثبه وفورانه، وأحست بالنور قد عاد يضيء في عينيها، فاستقرت على شفتيها بسمة عريضة طغت صورتها على جبينها المجعد فأومض فيه بريق من السعادة خاطف، ورجع إلى وجنتيها ظل من حمرة الشباب الآفل، حتى لو أن إنسانًا رآها في تلك الساعة لما رأى عجوزًا شمطاء عمياء، ولكن فتاة في السابعة عشرة!
ونفضت عنها العجوز غبار السنين المئة، وانطلقت تعيش في بقايا ليلة من ليالي زواجها الحافلة بالغرام والنبل والسعادة، فتصغي إلى أغاني الحب تنبعث همسًا من فم ذلك الزوج المعمود (١)، وتذوق بين ثناياها حلاوة قبلاته وتسمع بأذنيها وسوستها الناعمة. وتبالغ في التخيل، فتمد يديها تعانقه، وتخفي وجهها في صدره العريض، وتلقي برأسها على قلبه الكبير الخافق الذي يصفق أبدًا للحب والمجد والإيمان ... ولكن برودة الحجر الذي ألقت عليه

(١) المَعمود والعَميد والمُعمَّد هو الرجل الذي هدَّه العشق وأضناه (مجاهد).

1 / 199