ثم اعلم(1) أيها السائل أن كل قياس جاء مخالفا للكتاب، أو جاء الكتاب له مخالفا؛ حتى يكون كل واحد منهما ضدا للآخر؛ فلا يصح هذا القياس أبدا، ولا يثبت معه تأويل ولا هدى، (لأنه جاء مخالفا للأصول)(2)، ولم يكن والحمدلله ثابتا في الفصول(3). وفي ذلك ومثله، وما كان من شكله؛ ما يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( إنه سيكذب علي كما كذب على الأنبياء من قبلي، فما أتاكم عني فأعرضوه على كتاب الله، فما وافق كتاب الله فهو مني وأنا قلته، وما خالف كتاب الله فليس مني ولم أقله ))، فجعل صلى الله عليه الكتاب إماما لكل ما روي عنه، أو قيل إنه منه يعرض عليه، فإن جاء مثله؛ علم أنه من قوله، وإن جاء (مخالفا)(4) مضادا لشيء منه؛ علم أنه ليس عنه. فهذا في الآثار المذكورة عن الرسول، فكيف بما سواها من القياس، الذي يتعاطاه ويطلبه بعض الناس؟ فلعمري لا يصح من قياسهم، ولا يجوز من مقالهم؛ إلا ما شهد له الكتاب والسنة، وكانت الموافقة لهما منه نيرة بينة، فعند موافقة القياس للكتاب؛ يصح القياس في الألباب، وعند مخالفة القياس للكتاب؛ يبطل ويفسد في جميع الأسباب.
فليفهم من كان ذا فهم ما به في القياس(5) قلنا، وما منه أجزنا، وما منه دفعنا وأبطلنا.
Страница 677