الرسالة الرابعة عشرة كتاب القيان

Страница 139

بسم الله الرحمن الرحيم

من أبي موسى بن إسحاق بن موسى، ومحمد بن خالد خذار خذاه، وعبد الله بن أيوب أبي سمير، ومحمد بن حماد كاتب راشد، والحسن بن إبراهيم بن رباح، وأبي الخيار، وأبي الرنال، وخاقان بن حامد، وعبد الله بن الهيثم بن خالد اليزيدي المعروف بمشرطة، وعلك بن الحسن، ومحمد بن هارون كبة، وإخوانهم المستمتعين بالنعمة، والمؤثرين للذة، المتمتعين بالقيان وبالإخوان، المعدين لوظائف الأطعمة وصنوف الأشربة، والراغبين بأنفسهم عن قبول شيء من الناس، أصحاب الستر والستارات، والسرور والمراوءات.

إلى أهل الجهالة والجفاء، وغلظ الطبع، وفساد الحس.

سلام من وفق لرشده، وآثر حظ نفسه، وعرف قدر النعمة؛ فإنه لا يشكر النعمة من لم يعرفها ويعرف قدرها، ولا يزاد فيها من لم يشكرها، ولا بقاء لها على من أساء حملها.

وقد كان يقال: حمل الغني أشد من حمل الفقير، ومؤونة الشكر أضعف من مشقة الصبر. جعلنا الله وإياكم من الشاكرين.

Страница 143

أما بعد فإنه ليس كل صامت عن حجته مبطلا في اعتقاده، ولا كل ناطق بها لا برهان له محقا في انتحاله. والحاكم العادل من لم يعجل بفصل القضاء دون استقصاء حجج الخصماء، ودون أن يحول القول فيمن حضر من الخصماء والاستماع منه، وأن تبلغ الحجة مداها من البيان، ويشرك القاضي الخصمين في فهم ما اختصما فيه، حتى لا يكون بظاهر ما يقع عليه من حكمه أعلم منه بباطنه، ولا بعلانية ما يفلج الخصام منه أطب منه بسره. ولذلك ما استعمل أهل الحزم والروية من القضاة طول الصمت، وإنعام التفهم والتمهل، ليكون الاختيار بعد الاختيار، والحكم بعد التبين.

وقد كنا ممسكين عن القول بحجتنا فيما تضمنه كتابنا هذا اقتصارا على أن الحق مكتف بظهوره، مبين عن نفسه، مستغن عن أن يستدل عليه بغيره؛ إذ كان إنما يستدل بظاهر على باطن، وعلى الجوهر بالعرض، ولا يحتاج أن يستدل بباطن على ظاهر.

Страница 144

وعلمنا أن خصماءنا وإن موهوا وزخرفوا، غير بالغين للفلج والغلبة عند ذوي العدل دون الاستماع منا ، وأن كل دعوى لا يفلج صاحبها بمنزلة ما لم يكن، بل هي على المدعي كل وكرب حتى تؤديه إلى مسرة النجح أو راحة اليأس.

Страница 145

إلى أن تفاقم الأمر وعيل الصبر، وانتهى إلينا عيب عصابة لو أمسكنا عن الإجابة عنها والاحتجاج فيها، علما بأن من شأن الحاسد تهجين ما يحسد عليه، ومن خلق المحروم ذم ما حرم وتصغيره والطعن على أهله كان لنا في الإمساك سعة. فإن الحسد عقوبة موجبة للحاسد بما يناله منه ويشينه، من عصيان ربه واستصغار نعمته، والسخط لقدره، مع الكرب اللازم والحزن الدائم، والتنفس صعدا، والتشاغل بما لا يدرك ولا يحصى. وأن الذي يشكر فعلى أمر محدود يكون شكره، والذي يحسد فعلى ما لا حد له يكون حسده. فحسده متسع بقدر تغير اتساع ما جسد عليه. لأنا خفنا أن يظن جاهل أن إمساكنا عن الإجابة إقرار بصدق العضيهة، وأن إغضاءنا لذي الغيبة عجز عن دفعها. فوضعنا في كتابنا هذا حججا على من عابنا بملك القيان، وسبنا بمنادمة الإخوان، ونقم علينا إظهار النعم والحديث بها. ورجونا النصر إذ قد بدينا والبادي أظلم، وكاتب الحق فصيح - ويروي " ولسان الحق فصيح " - ونفس المحرج لا يقام لها، وصولة الحليم المتأني لا بقاء بعدها.

فبينا الحجة في اطراح الغيرة في غير محرم ولا ريبة، ثم وصفنا فضل النعمة علينا، ونقضنا أقوال خصمائنا بقول موجز جامع لما قصدنا. فمهما أطنبنا فيه فللشرح والإفهام، ومهما أدمجنا وطوينا فليخف حمله. واعتمدنا على أن المطول يقصر، والملخص يختصر، والمطوي ينشر، والأصول تتفرع، وبالله الكفاية والعون.

إن الفروع لا محالة راجعة إلى أصولها، والأعجاز لاحقة بصدورها، والموالي تبع لأوليائها، وأمور العالم ممزوجة بالمشاكلة ومنفردة بالمضادة، وبعضها علة لبعض، كالغيث علة السحاب والسحاب علة الماء والرطوبة، وكالحب علته الزرع، والزرع علته الحب، والدجاجة علتها البيضة، والبيضة علتها الدجاجة، والإنسان علته الإنسان.

والفلك وجميع ما تحويه أقطار الأرض، وكل ما تقله أكنافها للإنسان خول ومتاع إلى حين. إلا أن أقرب ما سخر له من روحه وألطفه عند نفسه " الأنثى "؟ فإنها خلقت له ليسكن إليها، وجعلت بينه وبينها مودة ورحمة.

Страница 146