انظر إليه وقد ذهبت به أمه إلى نهر الخلود تغطه
12
فيه حتى لا ينفذ في جسمه رمح ولا سهم من رماح الحرب أو سهامها؛ لأن لماء هذا النهر ذلك الفعل العجيب! وانظر إليه كيف يبتل جسمه كله ما عدا عقبه، ثم يكبر أخيل ويشب ويصبح بطل أبطال اليونان، ثم تكون حروب طروادة فيمضي إليها بخيله ورجله، ويقتل الأبطال الصناديد، ثم يصوب إليه باريس سهما من سهامه يقر في العقب التي لم تبتل بماء نهر الخلود فيكون فيه حتفه!
وانظر إليه يختلف وأجاممنون من أجل الجارية بريسيز التي هويها أخيل وعلقها قلبه، فيرفض أن يغشى المعركة، ويعتزلها وجنوده الميرميدون، فتدور بذلك الدوائر على جيوش اليونان ولا يغنيها أن يكون في صفوفها الأبطال المغاوير أودسيوس وأجاكس وديوميدز ومن إليهم، وانظر إليه يكلمه بتروكلوس في نصرة بني جلدته حين يعز عليه أن يصطلمهم أبطال طروادة فيأذن له، ويضفي عليه درعه العظيمة التي ذهبت أمه فصنعتها له عند فلكان الحداد، ويذهب بتروكلوس فيكسر شوكة الطرواديين ويصيبهم القرح على يديه وأيدي الميرميدون جنود أخيل.
وانظر إلى أجاممنون يعتذر إليه ويرد عليه بريسيز ويقسم له أنه لم يطمثها ولم يمسسها بسوء. وانظر إلى أخيل لا يفيء ولا يلين ولا ينهض لحرب الطرواديين، فيغضب الآلهة ويسخط أرباب الأولمب ويخرق الشرائع وقوانين الأخلاق فتكون النتيجة أن يقتل بتروكلوس الحبيب العزيز.
وانظر إلى أخيل كيف تسود الدنيا في عينيه حزنا على بتروكلوس فيمضي إلى المعمعة فيصرع أبطال طروادة ويجول فيها ويصول، ويزأر ويزمجر ويطويها كالعاصفة، ثم انظر إليه يظفر بهكتور - قاتل بتروكلوس - فيصرعه ويجره خلف عربته ويدور حول طروادة غير موقر قدس الموت ولا حافل بتقاليد السماء.
ثم قف عند أروع مناظر الإلياذة جميعا : بريام الحزين، والد هكتور! هذا الرجل المحطم يمضي وحده إلى أخيل باكيا ضارعا متوسلا، يرجو الرجل الذي قتل أولاده في أن يدع له جثمان هكتور ليشفي بالبكاء عليه جوى نفسه، وليطفئ بتحريقه السعير المضطرم بين جوانحه، فيعصف الحزن بأخيل العظيم ويعانق الرجل العظيم ويتبادلان البكاء، ثم يأذن له ببدن ولده.
هنا نبل هوميروس، وهنا إنسانيته وسموه، وهنا فرق ما بينه وبين قصاصينا الذين يشتركون مع سامعيهم في السخط على بطل الناحية الثانية. •••
ومن ألمع شخصيات الإلياذة شخصية أجاممنون، تلك الشخصية العجيبة التي رفعها هوميروس فوق شخصياته جميعا، وخصها بالقيادة العامة للأسطول في البحر وللجيوش في البر.
وأجاممنون هو شقيق منلوس زوج هيلين التي بسببها شبت الحرب بين اليونان وطروادة، وهو الذي ضحى بابنته إفجنيا كي تتحرك الريح وتتأذن الآلهة للأسطول في أن يقلع من أوليس بعد إذ لبث هناك زمانا طويلا لا يقوى على حركة، لسكون البحر وجمود الرياح، وقد اتخذ إسخيلوس من مأساة الفتاة إفجنيا
Неизвестная страница