فيعود السائل ليقول: لا إنها
buoy
التي معناها «عوامة»، وإلا لما كان للجملة معنى، وكيف كتبت كلمة
story ؟ - كتبتها هكذا.
فيعود السائل ليقول: لا، إنها
storey
التي معناها الطابق في البناء؛ لأن كلمة «قصة» لا تجري مع السياق؛ وهكذا عبأنا الأستاذ بمادة اللغة تعبئة لا أكاد الآن أصدق مداها حين أذكرها.
ولما بلغنا السنة الرابعة الابتدائية، تولى تدريسنا الإنجليزية ناظر المدرسة - وكان مصريا - وهو رجل غاية في الأناقة والنظافة والدقة والنظام، بذلاته بيض من تيل هزاز، ويخيل إليك أن له في كل ساعة من ساعات النهار «غيارا» نظيفا، وكان لا يمسك الطباشيرة إلا وهي ملفوفة إلى نصفها بالورق؛ فهو يعين تلميذا خاصا لإعداد هذا الطباشير المكسو بالورق، ليمده به كلما طلب، وكنت أنا في فرقتي صاحب هذه الحرفة. كان من عادته أن يكلفنا شراء زجاجات من المداد الأحمر؛ لأن طريقته في تصحيحنا لأخطاء الهجاء هي أن نكتب الجزء المغلوط من الكلمة بالمداد الأحمر.
وأما الحساب فحيا الله أستاذه وأكرمه إن كان ما يزال حيا، وأسبغ الله عليه رحمة واسعة إن كان ميتا؛ لأنه موهوب، ولك أن تضيف إلى موهبته تلك الحماسة التي كانت تسري فيه وفي زملائه لتعلم أي أستاذ كان.
وقد كانت لنا في الترجمة دروس خاصة، من الإنجليزية إلى العربية ومن العربية إلى الإنجليزية، ووالله لا أذكر مستواها إلا ويأخذني العجب. كان يدرسها مدرس سوداني طويل نحيل، أرسل لحية قصيرة جعداء الشعر في أخريات أيامه، وما أخريات أيامه تلك إلا تهمة بالسرقة وجهت إليه، وغاب عنا، وكانت له في نفوسنا هيبة حتى لقد صدقنا من قال إنها تهمة مزورة أريد بها الانتقام منه لأسباب سياسية، ومضت بعد ذلك شهور، ثم شاءت المصادفات أن أكون بمحطة السكة الحديدية على استعداد مع بقية الأسرة للسفر إلى مصر، فمن ذا أرى هناك يقف محروسا بجندي مسلح، إلا مدرسنا ذاك في وقاره وهيبته، فما كان مني إلا أن نطقت باسمه ذاهلا دهشا، فالتفت الرجل نحوي بحركة لا إرادية، فما هو إلا أن نهره السجان بصوت غليظ أجش: انظر أمامك يا مسجون! ... ومسحت عن وجهي دمعة سالت.
Неизвестная страница