История создания: истоки книги Бытия
قصة الخلق: منابع سفر التكوين
Жанры
الآلهة
وأهم ما يمكن احتسابه للفكر الديني السومري في رأينا، أنه استطاع مبكرا أن يفصل بين الآلهة وبين أشكالها الطوطمية، فغلب على نقوش الآلهة الهيئة الإنسانية، بينما احتفظت الذاكرة بالأصل الطوطمي كرمز ينقش قابعا إلى جوار الإله، أو يحمله الإله بين يديه، أو يرسم على ثوبه، بعكس المصريين الذين لم يتحرروا تماما من الأصول الطوطمية للآلهة، فجسموا الإله في الشكل الآدمي مع الاحتفاظ بالرأس الحيواني الأصلي. ويبدو لنا ذلك ناتجا عن الفارق الطبوغرافي بين المنطقتين، حيث كانت مصر مغلقة الحدود، متجانسة التكوين جنسيا وفكريا إلى حد بعيد، بينما كانت الرافدين بلادا مفتوحة، تلاحقت فيها أجناس وثقافات متعددة، أدت في أحيان كثيرة إلى نوع من التجريد المطرد، أدى إلى سلخ الآلهة من جذورها البدائية، وهى ظاهرة نلحظها أيضا في تطويرهم الكتابة إلى نوع من الخط المجرد، ابتعد بسرعة عن أصله التصويري، بينما ظل الأصل التصويري في الكتابة غالبا فترة طويلة على الكتابات الهيروغليفية في مصر، ولم يتحرر المصريون منه بشكل واضح إلا بعد احتكاكهم بالشعوب الأخرى، وبعد غزوات متعددة لأراضيهم في نهاية الإمبراطورية المصرية، وسقوط الدولة الحديثة، مما أدى بالهيروغليفية إلى التحرر من التصوير والتحول إلى التخطيط لتتطور إلى «هيراطيقية، ديموطيقية، قبطية». ولا شك لدينا أن هذا الميل إلى التجريد، قد صار خاصية لشعوب شرقي المتوسط الأدنى عموما، لتشابه الظروف البيئية، وكان دافعا فيما بعد إلى ظهور الفلسفة اليونانية، التي هي امتداد طبيعي لفكر المنطقة وتعد في المقام الأول فكرا «أيونيا» مشرقيا، ومن خلال التفوق الفينيقي التجاري والبحري وما نتج عنه من احتكاك اجتماعي، في الألف الأولى قبل الميلاد.
ومع ذلك فقد استمرت التعددية المفرطة هي سمة الديانة السومرية، حتى أمسى للفأس إله ، ولقالب الآجر إله، وللمسمار إله، ولكل فرد إله خاص به يحميه وفق طموحاته الشخصية، يحابى فيه نزعاته وطموحاته وميوله، إضافة إلى افتراض رب أو ربة لكل ظاهرة طبيعية، كبر شأنها أو صغر، كما افترضوا لأربابهم صورا بشرية ضخمة، وحياة تماثل حياة البشر، تزاوجوا فيها وتناسلوا وتحابوا وتخاصموا وتقاتلوا، لكنها كانت حياة سرمدية، ذات قدرات مطلقة.
أما عندما يكون وجود هذه الآلهة ضروريا في ذاتيات الكون الموكلة بها، فإنها كانت تعيش في «جبل السماء والأرض»
1
وإني أتصور ذلك نوعا من الفصل بين آلهة عاملة (شغيلة) مرتبطة باستمرار بالظواهر الطبيعية مطردة الحدوث، ودائمة التأثير المباشر في حياة الإنسان السومري، وبين آلهة متفرغة للعمل الذهني النظري وللإدارة في جبل السماء والأرض، ويحتمل أنها كانت الآلهة الكبرى. والظن عندي أن ذلك راجع إلى ظهور الكهنة المفوضين للإدارة في المشتركات الأولى، التي تحولت إلى مشتركات قروية ثم معبدية، مما طبع شكل المجتمع الإلهي، بما وصلت إليه أحوال المجتمع السومري اقتصاديا وسياسيا؛ وكما تفرغ الكهان من العمل البدني للإدارة، فقد تفرغ مجموعة من الآلهة وتحرروا من العمل الملاصق لعمل الطبيعة الدائم، وهو ما تدل عليه أسماء هذه الآلهة، الذين شكلوا مجاميع إلهية أشهرها:
مجمع الآلهة مقررة المصائر، وعددهم سبعة.
مجمع الآلهة العظام، وعددهم خمسون إلها.
2
وفوق هذه الآلهة جميعا، كانت عناصر الكون الكبرى، ذات التواجد الدائم الثابت (السماء، الأرض، الهواء، الماء)، آلهة لها خصوصيتها المتميزة باستمرار التواجد المنظور، إزاء الآلهة الأخرى متغيرة الأحوال، التي لا تتسم بديمومة التواجد. ونذهب إلى أن ملاحظة السومري المستمرة لجدل التأثير المتبادل بين الظواهر الأربع الثابتة، في إنتاج الحياة، وضرورة استمرار هذا الجدل لضمان استمرار الحياة، كما لو كانت مهمتها الإشراف على هده الاستمرارية وتتابعها؛ أقول: إن هذه الملاحظات قد سوغت للسومري المتأمل، الاعتقاد أن هذه الظواهر الأربع إنما هي أربع من الآلهة، تكاتفت معا لتقوم بخلق بقية كائنات الوجود، ومن ثم أطلق عليها «الآلهة الخالقة»، وهي:
Неизвестная страница