История жизни
قصة حياة
Жанры
وقد جهزوها له بسرير وخزانة وصندوق أحمر، وحصيرة ملونه وبساط قديم مما كان فى البيت، وكانت حليمة هذه قوية جليدة لا تفتر ولا تهن، فكانت تعمل طول النهار وشطرا من الليل، فى البيت - تكنس وتمسح وتغسل، وتنفض وتشيل وتحط، وترتب، وتغربل وتعجن وتخبز وتساعد فى المطبخ، وتطلع وتنزل، حتى إذا جاء وقت النوم انحدرت إلى «عم محمد» وبقيت معه إلى الفجر، فتنهض لتوضئ الشيخ وتعد له «الشبوك» والقهوة .
وحملت حليمة، فعظمت بطنها، فأرادوا أن يترفقوا بها، وأن يعفوها من عملها الشاق حتى تضع حملها، ولكنها أبت وظلت تروح وتجىء وتشيل وتحط وتقوم وتقعد. وهى مسرورة وزاد وجهها إشراقا ولمعت عينها بنور البشر والجذل.
وكان جدى يصعد بعد الغروب بقليل. أما أبى فكان يترك المكتب ليصعد أو يخرج، بعد صلاة العشاء، وينصرف الكاتب، ويوصد الباب، ويصفق عم محمد فتطل عليه حليمة من إحدى النوافذ - فما بقى من هذا بأس بعد انصراف الرجال - فيسألها «عاوزين حاجة..» فتستفسر ثم تخبره، ويطمئن فيخرج متسللا ويغيب ساعتين أو ثلاثا ثم يعود وهو يتطرح من السكر، وكان لا يشرب إلا البوظة وكان جدى ينهاه ويعظه، وأبى يضربه وهو لا ينتهى ولا يرعوى، حتى يئسا من صلاحه فأهملا أمره وتركاه للأيام، فلم تزده إلا حبا «للبوظة».
وقد سألته مرة «ألا يمكن أن يزهدك شىء فى هذه البوظة»؟
فأجابنى بسؤال «أهى حرام»؟
قلت «من عاشر القوم أربعين يوما صار منهم».
فنظر إلى مستفسرا مستوضحا فقلت أعني أنك أصبحت تفنى. من طول ما عاشرت أهل القلم. ولكن قل لى. إنك تشربها منذ نحو سبعين سنة، أفلم تسأمها. سبعون سنة طويلة. إن المرء خليق بعدها أن يمل الحياة، فكيف بالبوظة؟
فقال معترضا «سبعين سنة إيه يا سيدى»؟
قلت «معذرة. لندع السن، ولكن ألم تسأم»؟
قال «لم يبق لى ما أتسلى به سواها».
Неизвестная страница