История греческой философии
قصة الفلسفة اليونانية
Жанры
Timaeus
وهو أغمض كتاب من كتب أفلاطون، وغموضه - كما يقول بعض المؤرخين - راجع إلى قلة معرفته بالعلوم الطبيعية، فقد كانت العلوم الطبيعية إذ ذاك في طفولتها، ومع هذا فقد حاول في هذا الكتاب أن يشرح حركات النجوم والكواكب والضوء والحرارة والصوت والماء والثلج والحديد والذهب ... إلخ، ولكن شرحه لهذه المسائل أكثره فروض يتخللها قليل من الحقائق، وبدلا من أن يسلك طريق جمع الحقائق أولا ثم يفرض الفروض لشرحها وتعليلها كما هو متبع اليوم كان يهمل جمع الحقائق ويبدأ بالفروض وهي طريقة قلما تنتج، ومن ثم كان كتابه هذا أغلبه قليل القيمة صعب الفهم، ونحن نذكر هنا شيئا من تعاليمه في هذا الكتاب:
في الكون حقيقتان نهائيتان: الوجود المطلق من ناحية والعدم المطلق من ناحية أخرى، وبين هذا وذاك مرحلة متوسطة هي هذه الأشياء التي تقع تحت حواسنا؛ لأنها تشارك المثل في وجودها، وتشارك المادة في عدمها، فالشيء قبل أن يصاغ على صورة مثاله كان مادة لا صفة لها ولا شكل،
5
وإذا انتزعت من المادة صفاتها وشكلها كانت لا شيء، فلما أن بدأ ذلك الشيء المعين ينتزع نفسه من المادة التي هي في حكم العدم، وينطبع على نسق مثاله، أخذت تميزه بعض الصفات فاكتسب بذلك حقيقة الوجود؛ ولذا كانت الأشياء المحسة أنصاف حقائق؛ فلا هي مجردة كالمثل فتكون حقيقة مطلقة، ولا هي مادة خالصة خالية من صور المثل خلوا تاما فتكون عدما مطلقا، بل هي تجمع بين الوجود والعدم. وإلى هنا نرى أفلاطون يسير في منطق فلسفي لا غبار عليه، ولكنه حين أراد بعد ذلك أن يوضح كيف انطبعت صور المثل على كتلة المادة حتى خرجت تلك الأشياء واتخذت أشكالها المعروفة لم يسعفه العقل فلجأ إلى الخيال والشعر، وكان لا بد له من ذلك لما يترتب على مقدماته التي فرضها من تناقض مستحيل؛ لأنه إذا كانت المثل هي مصدر الأشياء بانطباع صورها على المادة نتج عن ذلك أن تكون المثل متغيرة متبدلة؛ لأنها حيث تبعث من نفسها صورا تشكل بها الأشياء وتخرجها من العدم إلى الوجود لا بد أن تتصف بصفة جديدة وهي صفة الإنتاج والإخراج والخلق، وهذا يترتب عليه التغير وعدم الثبوت، ولكن أفلاطون قدم أنها دائمة لا تقبل التغير، وإذن فلا يجوز أن يصدر عنها شيء بعد أن لم يكن يصدر، فلما رأى أفلاطون استحالة أن تكون في طبيعة المثل قابلية إنتاج الأشياء، لم يجد أمامه إلا تعليلا واحدا يفسر به ذلك، فقال إن ثمت خالقا ومدبرا للعالم، قام بما يقوم به الفنان حين ينحت من المادة تمثالا على صورة معينة في ذهنه. رأى الله أو الخالق مثلا مجردة من ناحية، ومادة لا شمل لها ولا صفة من ناحية أخرى، فشكل المادة على صورة المثل، وبذلك وجدت الأشياء، وكان أول ما خلق نفسا لعالمنا هذا، هي للعالم كنفسنا لنا، وهذه النفس غير جسمانية، ولكنها في مكان، وقد نشرها في مكان خال كما تنشر الشبكة الواسعة، ثم شطرها شطرين، وحنى الشطرين وجعلهما دائرتين: دائرة داخلية ودائرة خارجية، فالأولى مدار الكواكب السيارة والثانية مدار النجوم، ثم أخذ المادة وكونها من عناصر أربعة: (الماء والنار والتراب والهواء)، وبناها على إطار روح العالم، وبذلك تم الخلق، وكان يرى أيضا أن الأرض مركز هذا العالم، وأن النجوم - وهي كائنات إلهية - تدور حولها، وأن النجوم تتحرك حركات دائرية؛ لأن الدائرة أكمل الأشكال، وإذا كانت النجوم إلهية فهي لا تحكم إلا بالعقل، ويجب أن تكون حركتها دائرية؛ لأن الحركة الدائرية هي حركة العقل، وهذا كما ترى شعر غامض سقناه لبيان نوع كتابته. (3-2) النفس الإنسانية
النفس الإنسانية كنفس العالم هي على حركته، ولها اتصال بالمثل واتصال بعالم الحس، وهي تنقسم إلى قسمين: الجزء الأعلى أو الأرقى وبه العقل، وهو الذي يدرك المثل، وهو بسيط غير مركب ولا يقبل التجزئة، وهو أبدي لا يفنى. والقسم الثاني، القسم اللاعاقل، وهو يتجرأ ويفنى، وهذا القسم ينقسم إلى جزأين: الجزء الشريف والجزء الوضيع، فالجزء الشريف تتعلق به الشجاعة وحب الشرف وكل العواطف النبيلة، والجزء الوضيع يتعلق به كل الشهوات البهيمية. والجزء الأول له اتصال بقسم العقل، ولكنه يختلف عنه بأن غريزي لا يصدر منه الشيء عن تفكير، ومركز قسم العقل الرأس، ومركز الجزء الشريف من القسم اللاعاقل القلب، ومركز الجزء الوضيع أسفل البدن، والإنسان وحده هو الذي له القسمان، والحيوان له النوعان من القسم الثاني، والنبات ليس له إلا النوع الأخير من القسم الثاني، والذي يميز الإنسان عما عداه هو قوة التفكير.
وقد ربط أفلاطون نظريته في أبدية النفس وأزليتها بنظريته في المثل بمسألتين هامتين: وهما التذكر والتناسخ.
أما التذكر، فقد قال إن كل معارفنا ليست إلا تذكرا لما كانت تعلمه النفس عندما كانت تعيش في عالم المثل قبل أن تحل بالجسم، وليس يعني أفلاطون بالمعارف ما يشمل المدركات الحسية مثل: إن هذه الورقة بيضاء أو نحو ذلك، إنما يعني المعارف التي تدرك بالتفكير والعقل، وقد أداه إلى هذا الرأي ما لاحظه من أن القضايا الرياضية - ك 2 + 2 = 4، ومجموع زوايا المثلث تساوي قائمتين ونحو ذلك - فطرية في النفس لم تكتسبها بتجارب خارجية ولا بالتلقين.
وبذلك اقترب أفلاطون من النظرية الحديثة التي تفرق بين العلم الضروري والعلم المكتسب، وهي النظرية التي وضعها «كانت» وملخصها: أنك إذا نظرت إلى نظرية رياضية مثل: 2 + 2 = 4 فليس معناها أن شيئين وشيئين تساوي أربعة أشياء، بل هو معنى مجرد يجب أن يكون، وبعبارة أخرى إنك لم تستفد هذا من الاستقراء، بل إن العقل علم بذلك من غير استقراء، ويحكم باستحالة ظهور حالة يكون فيها 2 + 2 = 5، وعلى عكس ذلك قضية أخرى مثل الذهب أصفر، فإن هذا جاء من طريق الاستقراء لا من عمل العقل نفسه، بل العقل نفسه يجوز وجود ذهب أزرق، ولم يمنع منه إلا عدم وجوده في الخارج، وتسمى القضية الأولى وأمثالها قضية ضرورية، والثانية قضية مكتسبة.
لم يوضح أفلاطون النظرية بهذا الشكل بل قال إنا نجد أن القضايا الرياضية يدركها العقل لا من طريق التلقين ولا من طريق التجربة، واستنتج من هذا أن هذه القضايا كانت معروفة للنفس قبل الولادة، ولا يقال إن المعلم يعلمها للطفل فيتعلمها، بل الواضح أن الطفل إذا ذكر له المعلم هذه القضايا فهمها وسلم بها، وشعر أن المعلم لم يملها عليه ولكنه كشف الغطاء عنها، واستدل على ذلك بأن سقراط حادث طفلا رقيقا لم يتعلم من قبل رياضة، وما كان يعرف شيئا عن المربع، فبسؤال سقراط له أسئلة حكيمة منطقية استطاع الطفل أن يعرف خواص المربع، ولم يلقنه شيئا، ولم يزد عن أن سأله جملة أسئلة، قال أفلاطون: وإنما لم نتذكر المعلومات من أنفسنا بسهولة، واحتجنا إلى معلم أو نحوه يذكرنا؛ لأن حلول النفس بالجسم واشتغالها به عاقها عن التذكر السريع.
Неизвестная страница