История греческой философии
قصة الفلسفة اليونانية
Жанры
إمبذقليس
Empedocles
ولد في صقلية حوالي سنة 495ق.م، وتوفي حوالي سنة 435ق.م، ولا نكاد نذكره حتى نذكر معه فيثاغورس لشدة ما بينهما من شبه، من حيث الشخصية القوية الساحرة التي ملكت على الخلف ألبابهم، فأوحت إليهم طائفة من الأساطير والقصص، انتحلوها انتحالا، وأضافوها إليه حتى تراكمت حوله، فغاص الرجل تحت أكداس من نسج الخيال، كادت تنمحي في غمارها معالم حياته الحقيقية التي يعنى بها التاريخ، ومهما يكن من أمره فقد كان خطيبا مصقعا، طلق اللسان، ساحر البيان، يرسل القول فينفذ إلى قلوب السامعين ويملك منها الزمام، وسرعان ما تولى زعامة الشعب في بلدته بصقلية يناضل عن حقه وحريته، ويذود عن ديمقراطيته عدوان الخصوم من دعاة الأرستقراطية حتى انتهى به الأمر إلى النفي والتشريد.
لم يكن إمبذقليس في فلسفته مبدعا منشئا، ولكنه استعرض مجموعة الآراء المتباينة التي قدمها أسلافه، فكانت رسالته أن يوفق بينها ويدني أطرافها المتناقضة في نظام واحد مستقيم، دون أن يضيف إليها فكرا جديدا.
فلذلك «بارمنيدس» قد خلف وراءه فلسفه محورها أن أساس الكون وجود مطلق مجرد عن الأجسام يدركه العقل، وتضيف إليه الحواس عالم الأشياء الذي هو في حكم العدم لأنه وهم خادع.
وذلك هرقليطس من ناحية أخرى، ينقض رأي بارمنيدس، ويثبت أن التحول والتغير حقيقتان لا تنكران، وأنهما جوهر الكون وأساسه، فليس الكون في رأيه كينونة دائمة على صورة واحدة لا تتغير ولا تتحول، إنما هو قلب حول، لا يستقر على حال واحدة لحظة واحدة.
هذان رأيان متناقضان تعاقبا في تاريخ الفلسفة، ينقض الثاني ما أثبت الأول، فجاء إمبذقليس وحاول أن يؤلف منهما حقيقة واحدة، فوفق فيما أراد إلى حد كبير، فأما استحالة الخلق والفناء والتغير والتحول الذي ذهب إليها بارمنيدس، فتنصب على الذرات المادية التي يتكون منها الوجود، فهي كم محدود لا يزيد ولا ينقص وبذلك يتحقق شرط الدوام والثبوت، وأما ظاهرة التغير والحدوث فتطرأ على الأجسام من حيث الصورة، فهذه المائدة التي أمامك قد تتلاشى وتتحول إلى صور أخرى من المادة، ولكن ذراتها التي تتكون منها ستبقى هي هي خالدة ثابتة، ولن تفنى منها ذرة واحدة، وبهذا نكون قد وفقنا بين الصيرورة من ناحية والدوام من ناحية أخرى، وهكذا جمع إمبذقليس بين طرفي النقيض، فمهد الطريق أمام خلفه أناكسجوراس وجماعة الذريين كما سترى فيما بعد.
ولم يقتصر إمبذقليس على التوفيق بين هذين النقيضين، بل تناول طرفين آخرين، وقرب ما بينهما من شقة الخلاف، ففلاسفة المدرسة اليونية من ناحية يقررون أن الأشياء جميعا تتألف من مادة بعينها، وإن اختلفت صورها وتباينت أشكالها، فهي الماء عند طاليس، وهي الهواء عند أنكسمينس، وفي ذلك اعتراف صريح بإمكان تحول هذه المادة إلى ألوان شتى، ما دام هذا الخشب وذاك الحديد وما إليهما من ضروب المادة التي لا تكاد تقع تحت الحصر هي في أصلها ماء أو هواء، ومعنى ذلك اعتراف صريح بإمكان تحول هذه المادة إلى ألوان شتى، ما دام هذا الخشب وذاك الحديد وما إليهما من ضروب المادة التي لا تكاد تقع تحت الحصر هي في أصلها ماء أو هواء، ومعنى ذلك أن الماء أو الهواء يجوز عليه أن يكون نحاسا أو خشبا أو حديدا أو ما شئت من ألوان المادة المتباينة، أي يجوز عليه التغير، ولكن بارمنيدس من ناحية أخرى يصر على أن مادة الوجود تظل كما هي على صورتها، ويستحيل عليها التغير والتحول، وليس هذا الخلاف الذي تراه بين الأشياء إلا ضربا من ضروب الخداع.
تناول إمبذقليس أطراف النقيضين مرة ثانية ليوفق بينهما، فإن كانت المادة الموجودة لا يجوز لها أن تنقلب مادة أخرى تباينها فذلك صحيح مسلم به، على أن يتناول هذا الحكم العناصر الأولى وحدها، فلن تكون النار ماء، ولن يصير التراب هواء، أعني أن إمبذقليس عدل قليلا في مبدأ بارمنيدس، فليس الوجود عنصرا واحدا متجانسا يظل كما هو لا يتغير، إنما هو مجموعة من العناصر، أو إن شئت تحديدا لرأيه فقل إنه أربعة عناصر: التراب والهواء والنار والماء، ويستحيل على واحد من تلك العناصر أن ينقلب إلى صورة أخيه، وإذا كنا نرى ملايين وملايين من ألوان المادة، فهي مزيج من تلك العناصر الأربعة الأولى، وتختلف الأشياء باختلاف نسبة المزج بين تلك الأصول الأربعة، وهكذا استطاع إمبذقليس أن يؤيد بارمنيدس فيما ذهب إليه من دوام العناصر الأولى واستحالة تغيرها، وأن يؤيد في الوقت نفسه المدرسة اليونية فيما ذهب إليه من تغير العنصر الأول وتحوله وصيرورته إلى ضروب شتى من ألوان المادة.
ولكن ائتلاف العناصر الأولى وانحلالها يتضمن اعترافا بوجود الحركة بين أجزائها؛ إذ لا يمكن أن تكون تلك العناصر ساكنة، ثم يسعى بعضها إلى بعض حينا، ويدبر بعضها عن بعض حينا آخر، فكيف نعلل هذه الحركة، ومن ذا أنشأها وأوجدها بادئ ذي بدء؟ أما المدرسة اليونية فلا تتردد في أن تعترف بأن المادة فيها القوة الدافعة التي تولد الحركة بنفسها إذا دعتها الحال إلى الدفع والحركة، فهواء أنكسمينس مثلا يحمل في صلبه قوة كامنة تدفع به إلى هنا وهناك، كما تشكله في هذا الشيء أو ذاك، أما إمبذقليس فيرفض ذلك رفضا باتا وينكره إنكارا قاطعا، فالمادة موات مطلق لا حياة فيها، ولا يمكن أن تكمن ذرة واحدة من القوة بين ثناياها، وإذن فلم يبق إلا أن نسلم بأن القوة التي تحرك المادة هي قوة خارجة عنها، ولما كانت حركة المادة هي إما في اتصال العناصر أو في انفصالها، ولما كان الاتصال والانفصال ضدين مختلفين، فلا يمكن أن ينشآ عن قوة واحدة، فلا بد إذن أن يكون ثمت قوتان متضادتان كذلك، هما عند إمبذقليس قوتا الحب والبغض، الحب الذي يؤدي إلى التناغم والتناسق والاتحاد بين العناصر، والبغض الذي يؤدي إلى التنافر والتفكك والانحلال بينها، وليس ذلك شططا في القول، فالحب والكراهية اللذان هما من أخلاق الإنسان إن هما إلا صورة منعكسة من تينك القوتين المتضادتين اللتين تسيطران على الكون جميعا.
Неизвестная страница