7
قديرا فرق بين القبائل المتطاحنة بإعطاء كل من الفريقين مدنا تبعد عن مدن الآخر، ثم بنفي أكثر زعماء الفريقين عنادا وشغبا، فنزل المصريون الذين كانوا بجند الشام مرسية وسموها مصر، ونزل الفلسطينيون شذونة، وحل أهل الأردن بمالقة، وأقام الدمشقيون بغرناطة، واستقر أهل قنسرين بجيان، وبهذا الوضع زال سبب من أسباب النزاع الحزبي بالأندلس، ولكن الروح القبلية لم تضعف سيطرتها بعد، وبقيت الثورات تتغلب على الحكومات وتستبد بها، واستمرت الحال على هذا حتى نزل الأندلس حاكم من طابع جديد، سلاحه الجلال والمهابة، يحمل بين جنبيه عزة الخلفاء الأمويين، وتجري في عروقه دماؤهم، قدم إلى الأندلس ليحمل صولجان الحكم في مملكة مضطربة منحلة الأواصر، وليجمع في حقبة من الزمن كل القبائل والعشائر تحت لواء أمير قرطبة ... هذا الشاب هو الأمير الجديد الذي جاء شارلمان لقتاله فآب بالخيبة، هذا الشاب هو عبد الرحمن الأموي!!
هوامش
الشاب الداخل
استمر الخلفاء يحكمون القسم الأعظم من المملكة الإسلامية ستة قرون، وكان هذا الحكم في أول الأمر قويا واسع السلطة، فكان الخليفة يعين أمراء الولايات ويعزلهم إن شاء ومتى شاء من إسبانيا إلى حدود الهند.
ولكن المملكة وقد امتدت رقعتها كانت أوسع من أن تجتمع أمدا طويلا حول محور واحد؛ لذلك أخذ عدد من الأمراء في الفينة بعد الفينة، يعمل مستقلا مع إظهار الولاء الأكيد للخليفة، ومنحه كل ما يجب من تشريف وتبجيل إلا الطاعة، ودار الزمن دوراته ففقد الخلفاء هذا التشريف وذلك التبجيل، ونبتت سلالات من الأمراء انتحلت مذاهب دينية مبتدعة، فجحدت سلطة الخليفة الدينية وعدته وعدت أبناءه من الغاصبين، ثم جاء زمن كانت سلطة الخلفاء الزمنية فيه أشبه بسلطة البابا برومة في الضعف والخور، حتى إن حراسهم المرتزقين الذين استأجروهم لحمايتهم من أعدائهم كانوا يحبسونهم أحيانا في قصورهم، وقد وقع شيء من ذلك بعد نحو ثلاثمائة سنة من ابتداء الخلافة، أما فيما بعد ذلك، فكان الخلفاء رمزا قليل القيمة، يلعب به كبار أمراء المملكة كيف شاءوا، وكانوا لا ينالون شيئا من الحفاوة إلا يوم توليتهم، ثم محا المغول في القرن الثالث عشر الخلافة بآسيا، ولم يعد للمسلمين اليوم خليفة بالمعنى الصحيح، على الرغم من تمسك سلطان تركيا بهذا اللقب.
1
وكانت الأندلس أول ولاية نفضت عنها سلطة الخليفة، ولكي نفهم هذا يجب أن نذكر أن الخلفاء لم يتبع بعضهم بعضا في سلالة متصلة الوراثة، فبعد الخلفاء الراشدين: «أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي» الذين نالوا الخلافة بقليل أو كثير من رغبة الأمة واختيارها - نصب أهل الشام معاوية خليفة بدمشق، فكان من نسله الخلفاء الأمويون، وكان عددهم أربعة عشر، حكموا من سنة 661م/41ه إلى سنة 750م/132ه ثم أسقط السفاح دولتهم، فكان أول العباسيين المنسوبين إلى جدهم العباس عم النبي
صلى الله عليه وسلم ، ونقل العباسيون مركز الخلافة من دمشق إلى بغداد، واستمرت خلافتهم حتى أسقطها المغول سنة 1258م/656ه.
وكان عبد الرحمن الداخل من الأسرة الأموية المغلوبة التي طاردها العباسيون واستأصلوا شأفة أبنائها، وتتبعوهم في كل نواحي الأرض يذبحونهم بلا رحمة ولا هوادة، ففر عبد الرحمن
Неизвестная страница