История литературы в мире (часть первая)
قصة الأدب في العالم (الجزء الأول)
Жанры
ولئن كان المصريون الأولون ينقشون آثارهم على جلاميد الصخر، فقد كانت بابل تكتب آثارها على ألواح من الطفل، وهي أيسر من تلك حملا وأخف ثقلا، وإن كانت أسهل كسرا، ولكن على الرغم من خفتها فأين هي من الكتاب المطبوع؟ وإن أردت أن تقدر نعمة هذا العصر - عصر المطبعة - فسائل نفسك كيف يكون الأمر إذا أنت طلبت إلى بائع الكتب في عصر الكتابة على ألواح الطفل أن يبعث إليك بنسخة من كتاب جديد؟ عندئذ تجيئك عربات مثقلات بأحمال من اللبنات! قد يسأل: وهل كان يحدث ذلك أيام البابليين؟ والجواب أنه لم يحدث، لأن القراءة الشعبية لم يكن لها وجود، ولم يكن يعرف القراءة والكتابة إلا نفر قليل من القساوسة والنساخ، وكانت الكتابة مقصورة على موضوعات الدين وأعمال الملوك.
لكن الآداب والعلوم مدينة في تقدمها - أيضا - لاستخدام مادة للكتابة فيها خفة ونعومة ومرونة، لتهون الكتابة عليها، فيسهل تسجيل الأفكار فيها وتبادلها. وثمة مادة توفرت لها المتانة والخفة وسهولة الاستعمال، وتلك هي الخشب؛ فهو إذن جدير من هذه القصة بمكان ظاهر؛ فعلى ألواح شقت من أشجار الزان كان «السكسون» القدماء يكتبون؛ فاذكر بعد اليوم إن قرأت كتابا تحت شجرة أن من هذه الشجرة التي تمدك بالظل، جاء هذا الكتاب الذي يمدك بالنور.
فمن الصخر الذي نقش عليه الأقدمون، نبتت الشجرة التي كتب على أخشابها وقشورها المحدثون، وعلى أفنانها اتخذت الطيور أعشاشها، فاستمد الكاتب منها «ريشته»، وفي ظل هذه الشجرة - شجرة النور والعرفان - يجلس الإنسان ليقرأ الكتب وينشئ الأفكار.
قد تطالبنا الآن أن نقيس لك هذه الأعصر المتعاقبة بعضها إلى بعض، ونحن عن ذلك نجيب: تصور تلا من الكتب يرتفع ما ارتفعت إحدى نواطح السحاب، ثم اجعل هذا التل يمثل ما لبثه الإنسان على وجه الأرض من قرون؛ فالكتاب الذي في الذروة يمثل عصر الكتاب المطبوع، والكتب الثلاثة أو الأربعة التي تليه تمثل عصور الكتابة اليدوية على صحائف الجلد والبردي؛ والكتب الستة التي تجيء بعد ذلك تمثل عصور النقش على الصخر والآجر والخشب، فإن هبطت بعد ذلك في تل الكتب بضعة أقدام، صادفت ترقيما وتصويرا ونقشا، خلفه الإنسان الأول ولم ندخله في عصور الكتابة لأن تفسيره عز على أفهام العلماء. ثم ماذا في بقية التل وقد بقي جزؤه الأكبر؟ كلها كتب صحائفها بيض، إما لأنها تمثل عصورا طويلة لم يكتب فيها الإنسان، وإما لأن الزمان قد أتى على ما خط في صحائفها فمحاه من صفحة الوجود.
نشأة الأدب
انتهى بنا الفصل الأول إلى أن الجزء الأعظم من تاريخ الإنسان خلا من كتابة وكتاب، وأنه لو كان لأسلافنا الأولين أدب فقد ذهب أدراج الرياح؛ ولكنا نرجح أن ذلك العصر الطويل الذي خلا من الكتابة لم يخل من أدب؛ فليس من شك في أن القوم عندئذ كانوا يتفاهمون ويبعثون الرسل بالكلام المنطوق، وإن عز عليهم أن يثبتوه في مكتوب، فنحن على حق إن زعمنا أن الإنسان تكلم قبل أن يكتب.
لا بد أن تكون الأفكار - وهي أحد عناصر الأدب - قد أنشئت قبل أن تدون بزمان طويل؛ فقد كان آباؤنا الأولون الذين سكنوا الكهوف يجلسون حول النار يستدفئون، ثم يأخذون في قص الأقاصيص حول ما صادفهم من الحيوان في صيد النهار، وما وقع لهم مع جيرانهم من ضروب القتال والنزال. ولا بد أن يكون أولئك الآباء قد أنشئوا القصص حول آلهة الأنهار والأشجار. ومن ذا يشك في أن القوم كانوا بعد عناء النهار يجلسون فينشدون الأناشيد، وأنهم كانوا يلقنون الأبناء حكمة الآباء؟ صنعوا ذلك فوضعوا أساس الأدب، بل وضعوا كذلك أساس القانون والأخلاق والدين.
إن هذا الذي نزعمه قائم على أساس متين من الشاهد والبرهان؛ فأولا: ليست أقدم القصص المكتوبة التي وصلت إلينا صبيانية فارغة، بل هي مملوءة بالحكمة وتجارب الأيام، ولا يمكن للإنسان أن يخلق مثل هذه القصص بين عشية وضحاها، بل لا بد لها من قرون طوال تنشأ فيها وتنمو؛ وثانيا: لا يزال يعيش في أنحاء الأرض هنا وهناك أقوام من البشر في طور الجاهلية الأولى، فهم لذلك يشبهون أولئك الأسلاف الأولين؛ ولهؤلاء الأقوام قصص وقوانين يرثونها جيلا عن جيل، من غير تسجيل؛ فالأرجح أن يكون أسلافنا كهؤلاء: فكروا وعبروا قبل الكتابة والتدوين.
إذن فقد لبث الأدب زمنا طويلا يعتمد على الرواية قبل أن يعتمد على الكتابة، ولا يزال الجبليون الأجلاف في أمريكا يرددون القصائد الطوال التي هبطت إليهم من أجدادهم النازحين من إنجلترا في ماض بعيد. ولقد قام بعض العلماء بمقارنة ما ينشده هؤلاء الجبليون من القصائد بأصلها، ليروا كم أصابها من التلف حين اجتازت هذا الشوط البعيد في ذاكرات الحافظين، فوجدوها محتفظة بروحها الأولى، وإن يكن قد أصاب ألفاظها تبديل يسير. وكلنا يعلم كم ظل الأدب العربي يرويه اللسان ولا يكتبه القلم، وحسبنا ذلك دليلا على أن الأدب قد يزدهر بين قوم لا يكتبون.
وإذن فلم تخل حياة الإنسان من أدب في مرحلة من مراحلها؛ غير أن الإنسان قد أنشأ الشعر وأنشده قبل أن يكتب نثرا فنيا؛ فالشعر لغة الوجدان والنثر الفني لغة العقل. وإن الإنسان ليشعر بوجدانه قبل أن يفكر بعقله.
Неизвестная страница