История литературы в мире (часть первая)
قصة الأدب في العالم (الجزء الأول)
Жанры
وتأتي عقبة أخرى شائكة جدا، وهي ترجمتنا النماذج اليونانية أو الرومانية أو الهندية أو غير ذلك إلى اللغة العربية، فقد بذلنا في ترجمتها جهدا شاقا، وحاولنا أن ننغمها جهد طاقتنا، ثم بعد ذلك قد لا يستسيغها القارئ، وقد لا يحس من جمالها ما يحس قارئ الأصل بلغته، وهذا طبيعي، وخاصة الشعر؛ فقد أدرك كل من حاول ترجمته أن من المحال نقل جماله من لغة إلى لغة، فكل كلمة شعرية لها معنى معجمي (تفسره المعاجم)، ولها هالة حولها تكونت من وسطها وبيئتها ودلالتها الالتزامية وغير ذلك. وللبيت في لغته نغمة موسيقية وحلاوة صوتية، وإشارات اجتماعية، وأساليب تقليدية، وإيماءات تبعث إلهامات، فإن استطاع المترجم أن ينقل المعاني المعجمية، فلا يستطيع أن ينقل الهالات والنغمات والإيماءات. ومع هذا فشيء خير من لا شيء، وعصفور في اليد خير من كركي في الجو.
ومعذرة لرجال الآثار المصرية، فقد رأينا ما ترجموه، قد راعوا فيه الترجمة العلمية، فحولنا ما اخترنا من تراجمهم إلى لغة أدبية لتناسب موضوع الكتاب، كما رأينا ترجمة الكتاب المقدس إلى اللغة العربية لا يتفق والذوق الأدبي للغة العربية، لا من حيث لغته، ولا من حيث أسلوبه، فأنشأنا ما اخترناه إنشاء عربيا جديدا مع المحافظة على المعنى ما وسعنا.
وحزرنا أن يقع الكتاب في ثلاثة أجزاء: الجزء الأول في أدب العصر القديم وأدب العصور الوسطى، والجزء الثاني في الأدب من بدء النهضة إلى أول القرن التاسع عشر، والجزء الثالث في أدب القرن التاسع عشر إلى اليوم. وسنذكر في آخر الكتاب المصادر التي اعتمدنا عليها إن شاء الله.
والله المسئول أن ينفع به، ويعين على إتمامه.
أحمد أمين
5 جمادي الثانية سنة 1362ه
8 يونيه سنة 1943م
قصة الكتابة
أرأيت إلى صفحة مطبوعة تنشرها أمامك؟ إنها لتنشئ فصلا رائعا من قصة ممتعة ترجع فصولها الأولى إلى الماضي السحيق، وهي قصة بلغت من السعة والعمق مبلغا يستحيل على إنسان واحد أن يلم بأطرافها. ومن ذا الذي يدري متى وأين بدأت هذه القصة في الظهور، وماذا تبديه في مستقبل الأيام؟ وما ظنك بقصة كتبتها الإنسانية كلها منذ دب على ظهر الأرض إنسان؟
بل إننا اليوم أجزاء حية من هذه القصة ، فلنبدأ حيث نقف اليوم، ثم لنعد مع السنين القهقرى حتى نبلغ من الرواية بدايتها؛ فعيناك قد ألفتا أن تنظرا إلى صفحات مطبوعة، حتى لم يعد يستوقف هذا الضرب من الكتابة منك النظر. وعلام تعجب وأنت ترى الصحيفة اليومية المطبوعة في انتظارك كل صباح على مائدة الإفطار؟ دراهم معدودة كفيلة أن تأتيك بآية الآيات من رفيع الأدب، مطبوعة في كتاب أنيق جميل، فأصبحت وكأنما إخراج المطابع للكتب أمر مألوف لا دهشة فيه ولا عجب، مع أنه في حقيقة أمره يستثير كل عجب وإعجاب. انظر إلى هذه الوسائل التي تتوسط بين قلم الكاتب وعقل القارئ؛ فلعل أعجبها هي المطبعة التي قد يكون لها من الأثر في المدينة الحديثة ما ليس لعامل آخر على الإطلاق؛ وقبل أن تدور من المطبعة عجلاتها لا بد أن تكون آلات أخرى قد أخرجت الأحرف مسبوكة جميلة الرسم بديعة التنسيق؛ ولا خير في هذه الأحرف إن لم تكن مصانع الورق قد أخذت تخرج من لباب الشجر وبالي الخرق مثل هذا الذي تسرح فيه بصرك من ورق صقيل جميل. فإذا ما أعد ذلك كله، أخذت المطبعة تفيض بأوراقها المطبوعة لتسلمها إلى آلات تطويها فتغلفها بين جلدتين، فإذا هي كتاب منشور بين يدي قارئ في ناحية من نواحي الدنيا الفسيحة الأرجاء.
Неизвестная страница