ورسم الحاج علامة الصليب مؤمنا بأن العالم يسير نحو الضياع!
ملعونة أيتها الشيخوخة! كم حملك ثقيل، فالسعال يأخذه مرات أكثر ويمكث معه وقتا أطول، ودمه لم يعد يحتمل البرد ، وذاكرته أخذت تهبط ، وفي مرات كثيرة كان يتشاجر مع نفسه: هناك ثمانية آلاف.
لا بل عشرة آلاف!
كيف ... عشرة؟
إذن، فلا بد أنه يوجد ثمانية في الناحية الأخرى.
كيف؟ مستحيل! لقد أجدت العد ليلة الأمس.
وأخذ سمعه يضعف أيضا، وإذا رفع صوته أخذه الخوف، وأخذ ينظر فورا في كل ناحية قائلا: آه! أيها الحاج المغفل ... الصغير العقل ... إنك ترفع عقيرتك كأنك تمتلك ثروة طائلة، ولكن لا ... إنك لا تملك شيئا! إنك في فقر أيوب! وبينه وبين نفسه كان يردد: «إن لدي بعض المدخرات وهذا حق، ولكن من الأفضل أن أوهم بأنني لا أمتلك فلسا واحدا.»
6
وحتى سن الثمانين لم يحدث للحاج شيء خطير، بل لم يصبه حتى ألم في أسنانه، فإذا كان قد فقدها في الشيخوخة، فإن فقده لها قد تم بغير ألم إذ سقط بعضها مع الخبز المقدد، والبعض الآخر مع لباب الخبز.
ولكن شتاء هذه السنة كان قاسيا، فالأشجار تقرقع في الحديقة، وفوق زجاج الحاج ارتسم الجليد كأوراق الشجر العريضة الكثيفة، وعبثا كانت بنت أخته تنظف بعض أجزاء هذا الزجاج، وعبثا كانت تكور فمها وتنفخ بنشاط، فبقع الجليد كانت لا تلبث أن تتغطى بطبقة من الثلج.
Неизвестная страница