لكنها لا تستطيع أن تفعل شيئا في سر منه، فما لها لا تعيد الكرة عليه وقد تنتهي إلى إقناعه بما تريد؟
وأعادت الكرة، وألحت مستعطفة مستشفعة إياه بحبها وإخلاصها، إلى أن قال لها: «استئذني أباك، فإن أذن كنت عند ما تريدين!»
وذهبت هند إلى بيت أبيها تستأذنه، فألفت لدى بابه إخوتها الأطفال يمرحون، هنالك رفعت رأسها إلى السماء تشكو إليها قسوة القدر، فلما دخلت ورأتها زوجة أبيها، سألتها في دهشة عما جاء بها!
ثم نادت أطفالها وأدارت عليهم البخور من خوف حسدها! فلما رأت هند ما فعلت، ترددت دون المضي فيما جاءت فيه، وأرادت أن تعود أدراجها إلى منزلها، لكن أباها حضر قبل أن تنفذ عزمها، فذكرت له أن زوجها يريد أن يحدثه في شأن لم يفض به إليها، ورغبت إليه أن يحضر عندها غداة ذلك اليوم!
وخيل إلى زوج أبيها أن خلافا دب بين هند وعباس، فابتسمت عن رضا، ثم أومأت إلى زوجها قائلة: اذهب إليها لعل الله أن يهديهما وإلا فبيتك بيتها، ونحن جميعا في خدمتها! •••
وذهب الأب في الغداة إلى بيت ابنته، قبل حضور زوجها من عمله، فلما رأته أفضت إليه بما دار بينها وبين زوجها في شأن حملها، فأجابها في حزم: وما لي أنا وذاك؟ ذلك شأنكما، تصرفا فيه بما تشاءان.
وأدركت هند أنه لا يريد أن يصرح بالإذن لها، مخافة أن يطالبه زوجها بالاشتراك في نفقة علاجها، فأخذت تداوره، تريد أن تستدرجه إلى إذن صريح، وإنها لكذلك إذ أقبل زوجها، فبادره أبوها بعد التحية بقوله: ما حرصك على إذن مني في أمر هو من شأنكما وحدكما؟ قال عباس: «ذلك أنني اليوم راض بإرادة الله فينا، سواء كان العيب منها أو مني، وأخشى إن قرر الطب العيب مني أن تتنازعني نفسي إلى من يخلفني، برغم محبتي هندا أصدق الحب، ووفائي لها أصدق الوفاء، واعترافي الصريح بفضلها فيما بلغناه من رخاء ومكانة.»
وأسرعت هند حين سمعت هذا الكلام، فقالت: أشكر لك يا عزيزي رقة عواطفك، وأعدك صادقة أنه إن كان العيب منك فلن أتحول عن التفاني في محبتك، والعيش ما حييت سعيدة بعطفك وحمايتك، وإن كان العيب مني فأنت وما تشاء، ولا تثريب عليك إن هفت نفسك إلى من يخلد اسمك!
قال عباس: «أنت إذن وما تشائين، ولن أضن عليك في سبيل ما تريدين بما أطيق من نفقة!»
وانصرف الأب مطمئنا إلى أنه لن يحمل في هذا الأمر عبئا ما أحوج صغاره إليه!
Неизвестная страница