ولكي يراه الولد اللعين بوضوح أزاح خصلات من شعره الأصفر كانت منسدلة على وجهه، ولما أصبح العنقود في متناول يده شده بخيطه بقوة، ثم رفع رأسه إلي وأخرج لي لسانه ورفع أصابعه إلى أنفه سخرية بي، وهرب بالعنقود وقد أولاني ظهره فقط!
لم أكن معتادا على هذه الحركات من أصدقائي الصغار؛ ولذلك اضطربت في مبدأ الأمر، إلا أن فكرة واحدة هدأتني؛ وهي «أنني أحسنت صنعا إذ لم أرسل له لا بوردة ولا بقبلة».
وزال حقدي بهذه الفكرة؛ إذ الحقيقة أن الإنسان يكون مرتاحا طالما أرضى شهوات نفسه، أما الباقي فلا يهم كثيرا.
وكنت كلما فكرت أنه يجب علي أن أقص مغامرتي لوالدتي أقع في حيرة شديدة. لقد أخطأت، ولقد عنفتني والدتي، ولكنها عنفتني وهي مسرورة، وقد تبينت ذلك في عينيها اللامعتين، وقالت لي: يجب أن يعطي الإنسان الحسن مما يملك هو، لا مما يملك الغير، ويجب أن يتعلم كذلك كيف يعطي ...
فزاد والدي على ذلك: إن هذا هو سر السعادة! وقليلون هم الذين يعرفونه.
ولقد كان يعرفه هو.
ذات الثوب الأبيض
في ذلك الوقت كانت تسكن معنا في نفس المنزل سيدتان تتشح إحداهما بالأبيض والأخرى بالأسود.
ولا تسألوني، أي قرائي، عما إذا كانتا صغيرتي السن؛ فقد كان ذلك فوق ما أعرف، ولكني أعلم أن رائحتهما كانت ذكية، وأنهما كانتا في غاية الرقة. ولما كانت والدتي كثيرة المشاغل لا تحب الجيرة؛ فقد كانت لا تزورهما البتة. أما أنا فكنت أذهب مرارا، وخاصة في ساعة الأصيل؛
1
Неизвестная страница