ولقد غمره الرومانيون بالألقاب، وخصوه بأسمى التشاريف، فقد كان قنصلا، ثم صار حاكما بأمره (دكتاتورا) لعشر سنين، وتلقى من الشعب لقب «الحامي الأعظم» لرومية وممتلكاتها، وخص في «السناتو» بمكان أعلى من كل الأمكنة الأخر، ونقش على تمثاله الذي أقيم في معبد «يوپيتر» كلمة «إله» بحروف بارزة. •••
ولكن الأمور في الإسكندرية لم تجر على وتيرة يطمئن لها قلب كليوبطرا، أو ترضي خيال قيصر، فإنه بالرغم من الجند الذي خلفه قيصر فيها بقيادة «كلڨينوس» ليحافظ على النظام والأمن، تمخضت الأيام عن عدة فورات، أقضت مضجع الملكة، وغشت على أحلامها بغشاوة من القلق والإشفاق.
قيل، في السر مرة، وفي العلن مرات، إن الملكة مالأت الأجانب، وألقت بنفسها في أحضان الدخلاء، وأنها رضيت أن تكون أمة لرجل روماني، وأنها فوق هذا وذاك، امتهنت شرف الدولة، بأن أعلنت في غير خفاء، أنه والد ابنها.
أيجول في خاطر كليوبطرا أن تؤمر على المصريين في المستقبل ملكا، ليس منهم في شيء؟
على أن مثل هذه التهم، لم تكن لتهم إنسانا فيه من الجرأة والإقدام قدرا يحفزه على أن يهملها أو يضرب بها عرض الأفق الأوسع، غير أن كليوبطرا في ذلك الوقت، وهي في حدود العشرين من عمرها، لم تكن قد أصبحت بعد تلك الملكة الصلبة المقدامة الشديدة المراس، التي تقود الجحافل الجرارة إلى ساحة الحرب، وتكتم أنفاس الرأي العام، بنظرة غضب، أو لفتة احتقار.
نعم، كانت في حدود العشرين من عمرها الحافل بالأحداث، شديدة الحساسية، رقيقة العاطفة، وكان شبح الثورة يخيفها، بل يذهب بالنوم عن جفونها؛ فمضت مهزوزة القلب، ثائرة الأعصاب، تتوقع بين آن وآخر أن يكون، ما ليس في منطق الحوادث من دليل، على أنه سوف يكون.
أما حاميها ورادها إلى العرش، فلم يكن بعد إلى جنبها، يدفع عنها شر النفوس، وفتنة الأطماع، أفي مكنتها أن تتغلب دوما على تلك النظرات الجافية التي يرميها بها ذوو الفتنة، والنذر التي كانت تقرع سمعها، والفورات التي لا يطفئها إلا الدماء؟
لقد كان لها حتى الآن من نفوذ قيصر، بالرغم عن غيبته، عضدا ادرعت به، واحتمت من خلفه، ولكن إلى أي حد تتطور الحوادث، إذا ما ثبت في روع الثوار أن قيصر قد هجرها، وأن ليس في يدها من قوة غير عدتها الذاتية؟ من ذا الذي يحول بين هؤلاء وبين خيال يجول في أدمغتهم، أو مطمع يدور في صدورهم؟
عامة ذا لم يكن شيئا مذكورا، إلى جانب ما شاع عن قيصر من أحاديث، فقد قيل: إنه فتن، في أثناء مغزاته الإفريقية، بالملكة «أونونيا»! أذلك ممكن؟ أيقع هذا بعد فترة وجيزة من إفلاته من بين ذراعيها، حيث أقسم على أن يظل لها الحياة وفيا، وأن يمضي لها أمينا؟
ما أضعف المرأة، على قوتها، إذا ما أصبح رجلها الذي تحبه بعيدا عن أن تحوطه بتلك الحلقة الحديدية! التي هي ذراعاها!
Неизвестная страница