206

Дворец желаний

قصر الشوق

Жанры

فأمن على قوله، ثم هز رأسه كالآسف. وجاء النادل بالشراب والمزة، وسرعان ما رفع ياسين كأسه وهو يقول: «صحة آل محمد»، فرفع كمال كأسه، ثم شرب نصفها على أمل أن يسترد ما ذهب من مرحه، وقال ياسين بفم مملوء بالخبز الأسود والجبن: كان يخيل إلي أنك ستكون أقرب إلى خلق والدتك، كما كان المرحوم، فتنبأت لك بالاستقامة، ولكنك، ولكننا ...

وحدجه كمال بنظرة متسائلة، فعاد يقول باسما: لكننا خلقنا على مثال أبينا. - أبينا! إنه الجد الذي لا تطاق معه الحياة!

فقهقه ياسين عاليا، وتريث قليلا، ثم قال: إنك لا تعرف أباك، وقد كنت أجهله مثلك، ثم تكشف لي عن رجل آخر قل أن يجود الزمان بمثله.

وتوقف عن الكلام، فقال كمال بحب استطلاع واهتمام: ماذا عرفت مما لم أعرف؟ - عرفت أنه قطب اللطافة والطرب، لا تحملق في كالمعتوه، ولا تظنني سكران، والدك عمدة الفكاهة والطرب والعشق! - أبي؟ - أول ما عرفته في بيت زبيدة العالمة. - زبيدة ماذا؟ ... ها ... ها.

ولكن وجه ياسين بدا أبعد ما يكون عن الهزل. فكف كمال عن الضحك قبل أن تزايل أساريره هيئة الضحك، ثم أخذ فمه يضيق رويدا رويدا حتى انطبقت شفتاه فحملق في وجه أخيه صامتا، وهذا يحدثه عما رأى أو سمع عن أبيهما في تبسط وإسهاب. هل يفتري ياسين على أبيه كذبا؟ كيف يمكن أن يقع هذا، وأي بواعث تبرره؟ كلا، إنه لا ينطق إلا بما علم، وهذا إذن هو أبوه، رباه! والجد والجلال والوقار ما أمرها؟ إذا سمعت غدا أن الأرض مسطحة أو أن أصل الإنسان هو آدم فلا تدهش ولا تنزعج، وأخيرا تساءل: أتدري والدتي بذلك؟

ياسين وهو يضحك: لا شك أنها تدري بسكره على الأقل.

ترى كيف كان أثر ذلك في نفسها هي التي تفزع من لا شيء؟ أتكون أمي - مثلي - ظاهرا من السعادة، وباطنا من الشقاء؟ قال: وكأنه ينتحل أسبابا للدفاع لا يؤمن بها: الناس هواة مبالغة فلا تصدق جميع ما يزعمون، ثم إن صحته تدل على أنه رجل معتدل في حياته.

فقال ياسين بإعجاب، وهو يشير إلى النادل أن يعيد الكرة: إنه أعجوبة! جسمه معجزة، وروحه معجزة، كل شيء فيه معجزة، حتى طول لسانه (ضحك منهما معا) ... تصور أنه بعد هذا كله يحكم آله كما تعلم، ويحافظ على جلاله واحترامه كما ترى! ما أضيعني!

تأمل هذه العجائب: أنت وياسين تتشاربان! أبوك شيخ ماجن! هل ثمة حقيقي وغير حقيقي؟ ما علاقة الواقع بما في رءوسنا؟ ما قيمة التاريخ؟ ما العلاقة بين عايدة المعبودة وعايدة الحبلى؟ أنا نفسي ما أنا؟ لماذا تألمت ذلك الألم الوحشي الذي لم أبرأ منه بعد؟ اضحك حتى تنفق. - ما عسى أن يقع لو رآنا بمجلسنا هذا؟

فرقع ياسين بإصبعه، ثم قال: أعوذ بالله! - وهل زبيدة جميلة حقا؟

Неизвестная страница