158

Дворец желаний

قصر الشوق

Жанры

فربت ياسين شاربه وهو يقول: حزينة المسكينة، ماتت أمها هذا العام. - العمر الطويل لك، كانت غنية؟ - تركت بيتا، البيت المجاور لبيتنا، أعني المجاور لبيت والدي، ولكنها تركت في نفس الوقت شريكا لزوجي فيه وهو زوجها! - لا بد أن زوجك جميلة، فأنت لا تقع إلا على النقاوة.

فقال بحذر: لها جمالها، غير أنه لا يقاس بجمالك أنت! - آه منك آه ... - هل عرفتني كاذبا أبدا؟ - أنت؟ أنا أشك أحيانا في أن اسمك هو ياسين حقا. - إذن فلنشرب هذه الكأس أيضا. - تسكرني كي أصدقك؟ - إذا قلت لك إنني أرغب فيك وأحن إليك، فهل تشكين في صدقي؟ انظري في عيني، وجسي نبضي. - أنت خليق بأن تقول هذا الكلام لأية امرأة تصادفك. - هذا كما يقال إن الجائع يود ألوان الطعام جميعا، ولكن الملوخية مثلا قد تستأثر بمنزلة خاصة. - الرجل الذي يحب امرأة حقا لا يتردد عن الزواج منها.

فنفخ، ثم قال: أنت مخطئة، بودي لو أقف فوق هذه المائدة وأصرخ بأعلى صوتي، من يحب منكم امرأة فلا يتزوجها، أجل، لا شيء يقتل الحب كالزواج. صدقيني، إني مجرب، وقد تزوجت مرة أخرى وأعرف مدى صدق ما أقول. - لعلك لم تهتد بعد إلى المرأة التي تناسبك. - تناسبني؟ كيف تكون هذه المرأة؟ وبأي حاسة يهتدى إليها؟ وأين تكون هذه المرأة التي لا تمل؟

فضحكت في فتور، وقالت: كأنك تتمنى أن تكون ثورا في حظيرة أبقار! هذا هو أنت.

ففرقع بأصابعه طربا، وقال: الله ... الله، من ذا الذي كان في زمان مضى يدعوني بالثور؟ إنه أبي ربنا يمسيه بالخير، كم أود لو أكون مثله، حظي بامرأة هي آية الطاعة والقناعة، وانطلق على هواه لا يجد في حياته المتاعب، موفقا في زواجه، موفقا في عشقه ... هذا ما أريد. - ما عمره؟ - أظنه في الخامسة والخمسين، بيد أنه أقوى من الشباب. - لا عظيم أمام السنين، ربنا يمتعه بصحته. - إلا أبي، إنه معشوق المعشوقات من النساء، ألا ترينه الآن في بيتكم؟

فقالت ضاحكة وهي ترمي بعظمة إلى قطة تموء تحت قدميها: هجرت ذلك البيت منذ أشهر، الآن لي بيتي الخاص وأنا سيدته. - حقا؟ حسبتك تمزحين، وهل هجرت التخت أيضا؟ - هجرته، إنك تحدث سيدة بكل معنى الكلمة.

فقهقه في انبساط، ثم قال: إذن اشربي ودعيني أشرب، وربنا يلطف بنا.

في النفس فتنة وفي الجو فتنة، ولكن أيهما الصوت؟ وأيهما الصدى؟ وأعجب من هذا أن الحياة تدب في الجمادات، الأصص تترنح هامسة، والأركان تتناجى، السماء ترنو إلى الأرض بأعين النجوم الناعسة وتتكلم، وبينه وبين صاحبته رسائل متبادلة تفصح عن المكنون في جو مشحون بالأضواء المنظورة وغير المنظورة، يبهر الفؤاد ويزغلل العين، وفي الدنيا شيء يدغدغ البشر فلا يتركها حتى تغرق بالضحك، الوجوه والكلمات والحركات وغيرها تغري جميعا بالضحك، والوقت يمر كالشهاب، وحاملو ميكروب العربدة يوزعونه بين الموائد بوجوه أثقلتها الرزانة، أما أنغام البيانو فتترامى من بعيد، فيكاد يغطي عليها صليل عجلات الترام، وغلمان الطوار ولاقطو الأعقاب ينشرون حولهم لغطا كطنين الذباب، وجحافل الليل تعسكر فوق الربوع وتستقر، كأنك تنتظر حتى يجيئك الساقي فيسألك: أليس للنشوان مقر؟ وأنت عن ذاك وما هو أجل لاه سادر، لو تسجد مريم بين يديك هامسة: حسبي غرفة أمارس فيها طاعتك، وأملأ الحجرات بمن تهوى من النساء، أو يربت ناظر المدرسة كتفك كل صباح قائلا: كيف حال والدك يا بني؟ لو تشق الحكومة طريقا جديدا أمام دكان الحمزاوي وربع الغورية، لو تقول لك زنوبة: سأهجر غدا بيت صاحبي وأكون طوع بنانك، لو حدث هذا لاجتمع الناس عقب صلاة الجمعة يتبادلون قبل الصفاء، أما حكمة الليلة فهي أن تجلس على الكنبة، وأن ترقص زنوبة عارية بين يديك، هنالك يتاح لك أن ترعى شامة الحسن النابتة فوق سرتها: كيف حال الشامة المحبوبة؟

تساءل وهو يشير إلى بطنه باسما، فقالت ضاحكة: تبوس يدك.

فألقى نظرة زائغة على المكان، وقال: أترين هؤلاء الناس؟ ما منهم إلا فاسق وابن فاسق، هكذا كل السكيرين. - تشرفنا، أما أنا فمخي يتطاير. - أرجو أن يطير الجزء الذي يقيم فيه رفيقك. - آه لو علم بما هو حاصل لنا! سوف يطعنك يوما بفردة شاربه. - أهو شامي من ذوي الشوارب الجبارة؟ - شامي؟ ... (ثم ترنمت بصوت مسموع) برهوم يا برهوم. - هس، لا تلفتي إلينا الأنظار. - أي أنظار يا أعمى! لم يبق إلا نفر قليل.

Неизвестная страница