146

Дворец желаний

قصر الشوق

Жанры

تجنب الإلحاح أن يضايقها، ولكن خاطرا خطر فأظلت على قلبه سحابة من الكدر حتى قال متشكيا: ومع ذلك أصررت على الاختفاء! لم تكلفي نفسك إعلان العفو ولو بإشارة أو كلمة مع أنك افتننت في إعلان الغضب! ولكن عذرك الواضح وهو عندي مقبول. - أي عذر هذا؟

بصوت حزين: أنك لا تعرفين الألم، وإني أسأل الله مخلصا ألا تعرفيه أبدا.

قالت كالمعتذرة: ظننت أنه لا يهمك أن تكون متهما. - سامحك الله، لقد اهتممت أكثر مما تتخيلين، وساءني جدا أن أجد الشقة بيننا واسعة، فلم يقف الأمر عند حد أنك تجهلين ما أكنه لك من ... من مودة، ولكنه جاوز ذلك إلى إلصاق التهم الظالمة بي، فانظري أين كنت؟ وأين كنت؟ على أني أصارحك بأن الاتهام الجائر لم يكن أسوأ ما عانيت من ضروب الألم.

باسمة: لم يكن ضربا واحدا من الألم إذن؟

فشجعته الابتسامة - كما تشجع الطفل - على الاسترسال في عاطفته، فقال بوجد وانفعال: بلى، وكانت التهمة أخف الآلام، أما أشدها فكان اختفاؤك، كان لكل ساعة من ساعات الأشهر الثلاثة الماضية نصيبها من آلامي، عشت أشبه ما يكون بالمجانين، لهذا أدعو الله صادقا ألا يمتحنك بالألم، دعاء مجرب، فإن لي بالألم تجربة وأي تجربة، وأقنعتني هذه التجربة القاسية بأنه إذا كان مقدورا علي أن تختفي من حياتي، فمن الحكمة أن أبحث لي عن حياة أخرى. كان كل شيء كلعنة طويلة مقيتة، لا تهزئي بي، أنا أتوجس من ناحيتك شيئا كهذا دائما، ولكن الألم أجل من أن يهزأ به، لا أتصور أن يهزأ ملاك كريم مثلك من عذاب الآخرين، ودعي جانبا أنك سببه، لكن ما الحيلة؟ قضي علي من قديم أن أحبك بكل قوة نفسي.

ساد صمت مقطع بأنفاسه المترددة، وكانت تنظر إلى الأمام فلم يطالع عينيها، ولكنه وجد في صمتها راحة لأنه على أي حال أخف من كلمة سادرة وعده توفيقا. تصور أن يجيئك صوتها ناعما عذبا معربا عن الشعور نفسه، يا له من مجنون! لماذا سكب ماء قلبه المكنون؟ لم يكن إلا كقافز رام الارتفاع قدما فوجد نفسه يحلق فوق هامة الجو! ولكن أي قوة تستطيع أن تشكمه بعد ذلك؟ - لا تذكريني بما لا أحب سماعه فإني في غنى عن ذلك، لن أنسى رأسي لأني أحمله ليل نهار، ولا أنفي فإني أراه مرات كل يوم، ولكن عندي شيء لا نظير له عند الآخرين، حبي لا نظير له، إني فخور به، ويجب أن تكوني به فخورا أيضا ولو زهدت فيه، هكذا كان مذ رأيتك أول مرة في الحديقة، ألم تشعري به؟ لم أفكر في الاعتراف من قبل لأني خفت أن يقطع ما بيننا من مودة، وأن يطردني من الفردوس، لم يكن من اليسير علي أن أغامر بسعادتي، أما وقد طردت من الفردوس فعلام أخاف؟

سال سره على لسانه كأنه دم تعذر منعه. ولم يكن يرى من الوجود إلا شخصها البديع. كأن الطريق والأشجار والقصور والقلة العابرة قد غابت وراء سحابة شاملة لم تنحسر إلا عن فرجة لاحت منها المعبودة الصامتة بقامتها الهيفاء، وهالتها السوداء، وعارضها الموسوم بالملاحة المنطوي على الأسرار، يبدو في الظل حينا أسمر صافيا، وحينا - إذا مرا بطريق جانبي - وضاء منيرا تحت شعاع الشمس المائلة للغروب، ولم يكن يبالي أن يسترسل في الحديث حتى الصباح. - أقلت لك إنني لم أفكر في الاعتراف من قبل؟ في هذا تجاوز، الواقع أنني هممت بالاعتراف يوم التقينا في الكشك ونودي حسين للتليفون، كدت أعترف لولا أن عاجلتني بمهاجمة رأسي وأنفي، فكنت (وهو يضحك ضحكة مقتضبة) كالخطيب الذي هم بفتح فيه فانهال عليه الحصى من جمهور المستمعين!

هادئة صامتة كما ينبغي لها، ملاك من عالم آخر لا يطيب له التحدث بلغة البشر أو الاهتمام بشئونهم، أما كان من الأكرم له أن يصون سره؟ ... الأكرم؟ الكبرياء حيال المعبود كفر، مواجهة القاتل بالقتيل فن من الحكمة، أتذكر الحلم السعيد الذي استيقظت منه ذات صباح فبكيت عليه؟ الحلم سرعان ما يبتلعه النسيان، أما الدموع أو بالحري ذكراها فتبقى رمزا خالدا. وإذا بها تقول: لم أقل ما قلت إلا على سبيل الدعابة، ورجوتك حينذاك ألا تغضب.

هذا الشعور الرطيب جدير بالتذوق، كالفرحة السعيدة على أثر وجع ضرس وضرباته، وتداعت الأنغام الكامنة في نفسه حتى برز منها لحن مليح، عند ذاك تراءت قسمات المعبودة رموزا موسيقية للحن سماوي مرقومة على صفحة الوجه الملائكي. - ستجدينني قانعا بما دون الرجاء، لأنني كما قلت لك: أحبك.

والتفتت صوبه في رشاقة طبيعية، فألقت عليه نظرة باسمة ثم استردتها على عجل قبل أن يتمكن من قراءتها، أية نظرة كانت يا ترى؟ نظرة رضى؟ تأثر؟ عطف؟ استجابة؟ سخرية مهذبة؟ وهل أصابت الوجه جملة أم اختصت بالرأس والأنف؟ وجاءه صوتها قائلا: لا يسعني إلا أن أشكرك، وأعتذر لك عن إيلامك الذي لم أتعمده، أنت رقيق وكريم.

Неизвестная страница