فقال كمال بلهجة ساجدة: معاذ الله أن ينال أسرتك ظلم على يدي، وفضلا عن ذلك فليس فيما قال ما يشين.
فضحكت عايدة في ظفر، على حين ارتسمت على شفتي حسين ابتسامة ارتياح رغم ارتفاع حاجبيه كالداهش. وكان الأثر الذي تركه حديث حسين في نفسه أنه لم يكن صادقا كل الصدق في حملته على أسرته، أجل، لم يشك في قوله إنه لا يعبد المال، وأنه يؤثر الحياة عليه، وأبى - إلى ذلك - أن يرجع هذا الخلق إلى وفرة المال وحدها، ولكن إلى اتساع أفق صاحبه أولا ما دام الثراء لا يحول دون عبادة المال عند الكثيرين، ولكنه خيل إليه أن ما ورد في حديثه عن الخديو والألقاب واستقبال الأمراء إنما ورد عن سبيل الفخر المدغم في الانتقاد، لا الفخر وحده، ولا الانتقاد وحده، كأنما كان يفاخر بها بقلبه، وينتقدها بعقله، أو لعله كان يسخر منها حقا، ولكنه لم يجد غضاضة في التشهير بها أمام شخص لا يشك في أنها تبهره وتفتنه مهما يكن من مجاراته له في انتقادها. عاد حسين يتساءل في هدوء باسم: أينا سيكون بطل الكتاب، أنا، أم عايدة، أم بدور؟
هتفت بدور «أنا!» فقال لها كمال وهو يشد عليها «اتفقنا!» ثم أجاب حسين: سيبقى هذا سرا حتى يولد الكتاب. - وأي عنوان ستختار له؟ - حسين حول العالم.
فضج ثلاثتهم بالضحك بما ذكرهم هذا العنوان المفتوح باسم تمثيلية «البربري حول العالم» التي كانت تمثل في الماجستيك. وسأله حسين بالمناسبة قائلا: ألم تعرف الطريق إلى المسرح بعد؟ - كلا، في السينما الكفاية الآن.
قال حسين مخاطبا عايدة: إن مؤلف كتابنا غير مسموح له بالسهر خارج البيت إلى ما بعد التاسعة مساء.
فقالت له عايدة متهكمة: على أي حال فهو خير من الذين يسمح لهم بالطواف حول العالم.
ثم التفتت صوب كمال، وسألته برقة خليقة بجذبه إلى رأيها سلفا: أمن العيب حقا أن يتمنى أب أن ينشأ ابنه على مثاله في النشاط والجاه؟ أمن العيب أن نسعى في الحياة إلى المال، والجاه، والألقاب، والقيم العالية؟
ابقي حيث أنت يسع إليك المال، والجاه، والألقاب، والقيم العالية؛ كي تسمو جميعا بلثم موطئ قدميك، كيف أجيب وفي الجواب الذي تودين انتحاري؟ يا ويح قلبك من مرام لا يرام. - لا عيب في هذا أبدا ... (ثم بعد انقطاع قصير) على شرط أن يوافق مزاج الشخص .
فاستطردت قائلة: وأي مزاج لا يوافقه هذا؟ والعجيب أن حسين لا يزهد في هذه الحياة الرفيعة طموحا إلى ما هو أرفع منها، كلا يا سيدي، إنه يحلم بأن يحيا بلا عمل، في فراغ وبطالة، أليس هذا بعجيب؟
تساءل حسين ضاحكا في سخرية: ألا يعيش هكذا الأمراء الذين تعبدونهم؟ - لأنه ليس فوق حياتهم حياة يتطلع إليها، أين أنت من أولئك يا تنبل؟
Неизвестная страница