وضحك وصفي وهو يقول: لماذا يا أمي؟ - أما ترى أني أبتسم وأبتسم؟ أما ترى أنني أريد أن أقول شيئا؟! - فما يمنعك يا أمي أن تقوليه؟ - لأنك لا تسألني عن سبب ابتسامتي. - ألا بد أن أسألك حتى تخبريني؟ أنا أعلم أنك لن تسكتي أو تقولي ما بعث هذه الابتسامة الحلوة إلى شفتيك. - والله لأسكتن فلا أخبرك. - ولماذا يا أمي؟ أنا أعرف أنك تريدين أن تخبريني عن خبر هام، فلا تضايقي نفسك وقولي الخبر. - أنا أضايق نفسي، إنه أنت الذي يتوق إلى معرفة ما أخفيه. - أنا يا أمي! - نعم أنت، ولكني لن أخبرك. - حسنا، نعمل تجربة، الذي يتكلم أولا يدفع للآخر خمسة جنيهات. - أما إنك بارد! - هيه، ما رأيك؟ نعمل تجربة؟ - طيب، سنرى.
وسكت الاثنان، وقد ازدادت الابتسامة اتساعا على وجه إجلال هانم، حتى لتوشك أن تنفجر عن ضحكة مرحة فرحانة، ولم يطل بهما الصمت، بل تلفتت إجلال هانم حولها وهي تقول: أين كيسي؟ ها هو ذا.
وفتحت إجلال هانم كيس نقودها، وأخرجت منه خمسة جنيهات، وقالت لابنها: خذ واسمع.
وراح الاثنان يقهقهان في مرح، ثم قالت إجلال هانم: احزر من زارني اليوم. - حرم إسماعيل باشا مصطفى.
وفغرت الأم فاها عاجبة من ولدها هذا الذي حيرها. - وكيف عرفت؟ - عرفت من ابتسامتك الأولى. - طيب هات الجنيهات الخمسة، أتضحك علي يا ولد؟ - وفيم أضحك عليك؟ - أتكون عارفا بالموضوع كله وتدعي الجهل به؟ - يا أمي، وهل لك عمل منذ قبلت أن تخطبي لي هندا إلا بيت إسماعيل باشا مصطفى؟ وهل لك حديث إلا عن الخطبة، وعن صداقتك لسمية هانم منذ أيام الطفولة، وعن فرحك لهذا النسب الجديد؟ يا أمي إنني أعلم أنك لا تحملين أخبارا إلا هذه، فمنذ فتحت هذا الموضوع وأنت لا تتحدثين عن شيء آخر. - آه يا لئيم! هات الفلوس التي أخذتها.
وقال وصفي جادا: وماذا قالت لك سمية هانم؟ - أرأيت أنك أنت الذي تتوق إلى هذا الحديث. - على كل حال لا بد لي أن أعرف. - يا سيدي، الباشا وافق وهو مسرور جدا، وقالت لي إنه منتظرك غدا لتحدد موعد الخطبة.
وقال وصفي في شيء من القلق: غدا؟ - غدا. - بهذه السرعة؟ - وما المانع؟
وسرح وصفي بنظره وهو يقول: نعم، صحيح ، ما المانع؟
الفصل الرابع
اندفع وصفي في تيار رغبة عنيفة أن يتم زواجه هذا، لقد كان يخشى الأيام، أو هو يخشى نفسه إن مرت عليه الأيام، كان قد وصل إلى قراره هذا بعد تردد، وكان العقل وحده هو الدافع إلى هذا الزواج، كان يريد زواجا مستقرا غير مفزع بأشباح من الماضي، وخيالات من رعونة الشباب.
Неизвестная страница