(التَّعْلِيم الثَّالِث)
(فِي الأمزجة)
(وَهُوَ ثَلَاثَة فُصُول)
الْفَصْل الأول: المزاج أَقُول: المزاج كَيْفيَّة حَاصِلَة من تفَاعل الكيفيات المتضادات إِذا وقفت على حد مَا. ووجودها فِي عناصر متصغرة الْأَجْزَاء ليماس أَكثر كل وَاحِد مِنْهَا أَكثر الآخر. إِذا تفاعلت بقواها بَعْضهَا فِي بعض حدث عَن جُمْلَتهَا كَيْفيَّة متشابهة فِي جَمِيعهَا هِيَ: المزاج والقوى الأولية فِي الْأَركان الْمَذْكُورَة أَربع هِيَ: الْحَرَارَة والبرودة والرطوبة واليبوسة وَبَين أَن المزاجات فِي الْأَجْسَام الكائنة الْفَاسِدَة إِنَّمَا تكون عَنْهَا وَذَلِكَ بِحَسب مَا توجبه الْقِسْمَة الْعَقْلِيَّة بِالنّظرِ الْمُطلق غير مُضَاف إِلَى شَيْء على وَجْهَيْن. وَأحد الْوَجْهَيْنِ أَن يكون المزاج معتدلا على أَن تكون الْمَقَادِير من الكيفيات المتضادة فِي الممتزج مُتَسَاوِيَة متقاومة وَيكون المزاج كَيْفيَّة متوسطة بَينهَا بالتحقيق. وَالْوَجْه الثَّانِي أَن لَا يكون المزاج بَينا لكيفيات المتضادة وسطا مُطلقًا وَلَكِن يكون أميل إِلَى أحد الطَّرفَيْنِ إِمَّا فِي إِحْدَى المتضادتين اللَّتَيْنِ بَين الْبُرُودَة والحرارة والرطوبة واليبوسة وَأما فِي كليهمَا. لَكِن الْمُعْتَبر فِي صناعَة الطِّبّ بالاعتدال وَالْخُرُوج عَن الِاعْتِدَال لَيْسَ هَذَا وَلَا ذَلِك بل يجب أَن يتسلم الطَّبِيب من الطبيعي. إِن المعتدل على هَذَا الْمَعْنى مِمَّا لَا يجوز أَن يُوجد أصلا فضلا عَن أَن يكون مزاج إِنْسَان أَو عُضْو إِنْسَان وَأَن يعلم أَن المعتدل الَّذِي يَسْتَعْمِلهُ الْأَطِبَّاء فِي مباحثهم هُوَ مُشْتَقّ لَا من التعادل الَّذِي هُوَ التوازن بِالسَّوِيَّةِ بل من الْعدْل فِي الْقِسْمَة وَهُوَ أَن يكون قد توفر فِيهِ على الممتزج بدنا كَانَ بِتَمَامِهِ أَو عضوا من العناصر بكمياتها وكيفياتها الْقسْط الَّذِي يَنْبَغِي لَهُ فِي المزاج الإنساني على أعدل قسْمَة وَنسبَة لكنه قد يعرض أَن تكون هَذِه الْقِسْمَة الَّتِي تتوفر على الْإِنْسَان قريبَة جدا من المعتدل الْحَقِيقِيّ الأول وَهَذَا الِاعْتِدَال الْمُعْتَبر بِحَسب أبدان النَّاس أَيْضا الَّذِي هُوَ بِالْقِيَاسِ إِلَى غير مِمَّا لَيْسَ لَهُ ذَلِك الِاعْتِدَال وَلَيْسَ لَهُ قرب الْإِنْسَان من الِاعْتِدَال الْمَذْكُور فِي الْوَجْه الأول يعرض لَهُ ثَمَانِيَة أوجه من الاعتبارات. فَإِنَّهُ إِمَّا أَن يكون بِحَسب النَّوْع مقيسا إِلَى مَا يخْتَلف مِمَّا هُوَ خَارج عَنهُ. وَإِمَّا أَن يكون بِحَسب النَّوْع مقيسا إِلَى مَا يخْتَلف مِمَّا هُوَ فِيهِ.
1 / 19