وَأما الْأَسْبَاب التمامية: فالأفعال وَفِي معرفَة الْأَفْعَال معرفَة القوى لَا محَالة وَمَعْرِفَة الْأَرْوَاح الحاملة للقوى كَمَا سنبين فَهَذِهِ مَوْضُوعَات صناعَة الطِّبّ من جِهَة أَنَّهَا باحثة عَن بدن الْإِنْسَان انه كَيفَ يَصح ويمرض وَأما من جِهَة تَمام هَذَا الْبَحْث وَهُوَ أَن تحفظ الصِّحَّة وتزيل الْمَرَض فَيجب أَن تكون لَهَا أَيْضا مَوْضُوعَات أخر بِحَسب أَسبَاب هذَيْن الْحَالين وآلاتهما وَأَسْبَاب ذَلِك التَّدْبِير بالمأكول والمشروب وَاخْتِيَار الْهَوَاء وَتَقْدِير الْحَرَكَة والسكون والعلاج بالدواء والعلاج بِالْيَدِ وكل ذَلِك عِنْد الْأَطِبَّاء بِحَسب ثَلَاثَة أَصْنَاف من الأصحاء والمرضى والمتوسطين الَّذين نذكرهم وَنَذْكُر أَنهم كَيفَ يعدون متوسطين بَين قسمَيْنِ لَا وَاسِطَة بَينهمَا فِي الْحَقِيقَة وَإِذ قد فصلنا هَذِه البيانات فقد اجْتمع لنا أَن الطِّبّ ينظر فِي الْأَركان والمزاجات والأخلاط والأعضاء البسيطة والمركبة والأرواح وقواها الطبيعية والحيوانية والنفسانية وَالْأَفْعَال وحالات الْبدن من الصِّحَّة وَالْمَرَض والتوسط وأسبابها من المآكل والمشارب والأهوية والمياه والبلدان والمساكن والاستفراغ والاحتقان والصناعات والعادات والحركات الْبَدَنِيَّة والنفسانية والسكونات والأسنان والأجناس والورادات على الْبدن من الْأُمُور الغريبة وَالتَّدْبِير بالمطاعم والمشارب وَاخْتِيَار الْهَوَاء وَاخْتِيَار الحركات والسكونات والعلاج الْأَدْوِيَة وأعمال الْيَد لحفظ الصِّحَّة وعلاج مرض مرض فبعض هَذِه الْأُمُور إِنَّمَا يجب عَلَيْهِ من جِهَة مَا هُوَ طَبِيب أَن يتصوره بالماهية فَقَط تصورا علميا وَيصدق بهليته تَصْدِيقًا على أَنه وضع لَهُ مَقْبُول من صَاحب الْعلم الطبيعي وَبَعضهَا يلْزمه أَن يبرهن عَلَيْهِ فِي صناعته فَمَا كَانَ من هَذِه كالمبادئ فَيلْزمهُ أَن يتقلد هليتها فَإِن مبادئ الْعُلُوم الْجُزْئِيَّة مسلمة وتتبرهن وتتبين فِي عُلُوم أُخْرَى أقدم مِنْهَا وَهَكَذَا حَتَّى ترتقي مبادئ الْعُلُوم كلهَا إِلَى الْحِكْمَة الأولى الَّتِي يُقَال لَهَا علم مَا بعد الطبيعة وَإِذا شرع بعض المتطببين وَأخذ يتَكَلَّم فِي إِثْبَات العناصر والمزاج وَمَا يَتْلُو ذَلِك مِمَّا هُوَ مَوْضُوع الْعلم الطبيعي فَإِنَّهُ يغلط من حَيْثُ يُورد فِي صناعَة الطِّبّ مَا لَيْسَ من صناعَة الطِّبّ ويغلط من حَيْثُ يظنّ أَنه قد يبين شَيْء وَلَا يكون قد بَينه أَلْبَتَّة فَالَّذِي يجب أَن يتصوره الطَّبِيب بالماهية ويتقلد مَا كَانَ مِنْهُ غير بَين الْوُجُود بالهلية هُوَ هَذِه الْجُمْلَة الْأَركان أَنَّهَا هَل هِيَ وَكم هِيَ والمزاجات أَنَّهَا هَل هِيَ وَمَا هِيَ وَكم هِيَ والأخلاط أَيْضا هَل هِيَ وَمَا هِيَ وَكم هِيَ والقوى هَل هِيَ وَكم هِيَ والأرواح هَل هِيَ وَكم هِيَ وَأَيْنَ هِيَ. وان لكل تغير حَال وثباته سَببا وَأَن الْأَسْبَاب كم هِيَ واما الْأَعْضَاء ومنافعها فَيجب أَن يصادفها بالحس والتشريح. وَالَّذِي يجب أَن يتصوره ويبرهن عَلَيْهِ الْأَمْرَاض وأسبابها الْجُزْئِيَّة وعلاماتها وانه كَيفَ يزَال الْمَرَض وَتحفظ الصِّحَّة فَإِنَّهُ يلْزمه أَن يُعْطي الْبُرْهَان على مَا كَانَ من هَذَا خَفِي الْوُجُود بتفصيله وَتَقْدِيره وتوفيته وجالينوس إِذْ حاول إِقَامَة الْبُرْهَان على الْقسم الأول فَلَا يجب أَن يحاول
1 / 15