إِذا ورد على الْمعدة انهضم الانهضام التَّام لَا بحرارة الْمعدة وَحدهَا بل بحرارة مَا يطِيف بهَا أَيْضا أما من ذَات الْيَمين فَالْكَبِد وَأما من ذَات الْيَسَار الطحال فَإِن الطحال قد يسخن لَا بجوهره بل بالشرايين والأوردة الْكَثِيرَة الَّتِي فِيهِ وَأما من قُدَّام فبالثرب الشخمي الْقَابِل للحرارة سَرِيعا بِسَبَب الشَّحْم المؤدّيها إِلَى الْمعدة وَإِمَّا من فَوق فالقلب يتوسط تسخينه للحجاب فَإِذا انهضم الْغذَاء أوّلًا صَار بِذَاتِهِ. فِي كثير من الْحَيَوَان وبمعونة مَا يخالطه من المشروب فِي أَكْثَرهَا كيلوسًا وَهُوَ جَوْهَر سيال شَبيه بِمَاء الكشك الثخين أَو مَاء الشّعير ملاسة وبياضًا ثمَّ إِنَّه بعد ذَلِك ينجذب لطيفه من الْمعدة وَمن الأمعاء أيضاَ فيندفع من طَرِيق العروة الْمُسَمَّاة ماساريقا وَهِي عروق دقاق صلاب مُتَّصِلَة بالأمعاء كلهَا فَإِذا انْدفع فِيهَا صَار إِلَى الْعرق الْمُسَمّى بَاب الكبد وَنفذ فِي الكبد فِي أَجزَاء وفروع للباب دَاخِلَة متصغرة مضائلة كالشعر ملاقية لفوهات أَجزَاء أصُول الْعرق الطالع من حدبة الكبد. وَإِن تنفذه فِي تِلْكَ المضايق فِينَا الْأَفْضَل مزاج من المَاء مشروب فَوق الْمُحْتَاج إِلَيْهِ للبدن فَإِذا تفرق فِي لِيف هَذِه الْعُرُوق صَار كَأَن الكبد بكليتها ملاقية لكلية هَذَا الكيلوس وَكَانَ لذَلِك فعلهَا فِيهِ أَشد وأسرع وَحِينَئِذٍ ينطبخ وفى كل انطباخ لمثله شَيْء كالرغوة وَشَيْء كالرسوب. وَرُبمَا كَانَ مَعَهُمَا إِمَّا شَيْء هُوَ إِلَى الاحتراق إِن أفرط الطَّبْخ أَو شَيْء كالفج إِن قصر الطَّبْخ فالرغوة هِيَ الصَّفْرَاء والرسوب هِيَ السَّوْدَاء وهما طبيعيان. والمحترق لطيفه صفراء رَدِيئَة وكثيفه سَوْدَاء رَدِيئَة غير طبيعيين. والفج هُوَ البلغم. وَأما الشَّيْء المتصفي من هَذِه الْجُمْلَة نضيجًا فَهُوَ الدَّم إِلَّا أَنه بعد مَا دَامَ فِي الكبد يكون أرق مِمَّا يَنْبَغِي لفضل المائية الْمُحْتَاج إِلَيْهَا لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَة وَلَكِن هَذَا الشَّيْء الَّذِي هُوَ الدَّم إِذا انْفَصل عَن الكبد فَكَمَا ينْفَصل عَنهُ يتصفى أَيْضا عَن المائية الفضلية الَّتِي إِنَّمَا احْتِيجَ إِلَيْهَا لسَبَب وَقد ارْتَفع فتنجذب هِيَ عَنهُ فِي عرق نَازل إِلَى الكليتين وَيحمل مَعَ نَفسه من الدَّم مَا يكون بكميته وكيفيته صَالحا لغذاء الكليتين فيغذو الكليتين الدسومة والدموية من تِلْكَ المائية ويندفع بَاقِيهَا إِلَى المثانة والى الإحليل. وَأما الدَّم الْحسن القوام فيندفع فِي الْعرق الطالع من حدبة الكبد ويسلك فِي الأوردة المتشعبة مِنْهُ ثمَّ فِي جداول الأوردة ثمَّ فِي سواقي الجداول ثمَّ فِي رواضع السواقي ثمَّ فِي الْعُرُوق الليفية الشعرية ثمَّ يرشح من فوهاتها فِي الْأَعْضَاء بِتَقْدِير الْعَزِيز الْعَلِيم. فسبب الدَّم الفاعلي هُوَ حرارة معتدلة وَسَببه المادي هُوَ المعتدل من الأغذية والأشربة الفاضلة وَسَببه الصُّورِي النضج الْفَاضِل وَسَببه التمامي تغذية الْبدن. والصفراء سَببهَا الفاعلي أما الطبيعي مِنْهَا الَّذِي هُوَ رغوة الدَّم فحرارة معتدلة وَأما للمحترقة مِنْهَا فالحرارة النارية المفرطة وخصوصًا فِي الكبد وسببها المادي هُوَ اللَّطِيف الْحَار والحلو الدسم. والحريف من الأغذية وسببها الصُّورِي مُجَاوزَة النضج إِلَى الإفراط وسببها التمامي الضَّرُورَة وَالْمَنْفَعَة المذكورتان.
1 / 34