وَالدَّم: حَار الطَّبْع رطبه وَهُوَ صنفان: طبيعي وَغير طبيعي والطبيعي: أَحْمَر اللَّوْن لَا نَتن لَهُ حُلْو جدا. وَغير الطبيعي: قِسْمَانِ فَمِنْهُ مَا قد تغيّر عَن المزاج الصَّالح لَا بِشَيْء خالطه وَلَكِن بِأَن سَاءَ مزاجه فِي نَفسه فبرد مزاجه مثلا أَو سخن وَمِنْه مَا إِنَّمَا تغيّر بِأَن حصل خلط رَدِيء فِيهِ وَذَلِكَ قِسْمَانِ: فَإِنَّهُ إِمَّا أَن يكون الْخَلْط ورد عَلَيْهِ من خَارج فنفذ فِيهِ فأفسده وَإِمَّا أَن يكون الْخَلْط تولّد فِيهِ نَفسه مثلا بِأَن يكون عفن بعضه فاستحال الطَّبَقَة مُرَة صفراء وكثيفه مرَة سَوْدَاء وبقيا أَو أَحدهمَا فِيهِ وَهَذَا الْقسم بقسميه مُخْتَلف بِحَسب مَا يخالطه. وأصنافه من أَصْنَاف البلغم وأصناف السَّوْدَاء وأصناف الصَّفْرَاء والمائية فَيصير تَارَة عكرًا وَتارَة رَقِيقا وَتارَة أسود شَدِيد السوَاد وَتارَة أَبيض وَكَذَلِكَ يتَغَيَّر فِي رَائِحَته وَفِي طعمه فَيصير مرا ومالحًا وَإِلَى الحموضة. وَأما البلغم: فَمِنْهُ طبيعي أَيْضا وَمِنْه غير طبيعي. والطبيعي: هُوَ الَّذِي يصلح أَن يصير فِي وَقت مَا دَمًا لِأَنَّهُ دم غير تَامّ النضج وَهُوَ ضرب من البلغم والحلو وَلَيْسَ هُوَ بشديد الْبرد بل هُوَ بِالْقِيَاسِ إِلَى الْبدن قَلِيل الْبرد بِالْقِيَاسِ إِلَى الدَّم والصفراء بَارِد وَقد يكون من البلغم الحلو مَا لَيْسَ بطبيعي وَهُوَ البلغم الَّذِي لَا طعم لَهُ الَّذِي سَنذكرُهُ إِذا اتّفق أَن خالطه دم طبيعي. وَكَثِيرًا مَا يحس بِهِ فِي النَّوَازِل وَفِي النفث وَأما الحلو الطبيعي فَإِن جالينوس زعم أَن الطبيعة إِنَّمَا لم تعد لَهُ عضوا كالمفرغة مَخْصُوصًا مثل مَا للمرتين لِأَن هَذَا البلغم قريب الشّبَه من الدَّم وتحتاج إِلَيْهِ الْأَعْضَاء كلهَا فَلذَلِك أجري مجْرى الدَّم وَنحن نقُول: إِن تِلْكَ الْحَاجة هِيَ لأمرين: أَحدهمَا ضَرُورَة وَالْآخر مَنْفَعَة أما الضَّرُورَة فلسببين: أَحدهمَا: ليَكُون قَرِيبا من الْأَعْضَاء فَمَتَى فقدت الْأَعْضَاء الْغذَاء الْوَارِد إِلَيْهَا صَار دَمًا صَالحا لاحتباس مدده من الْمعدة والكبد ولأسباب عارضة أَقبلت عَلَيْهِ قواها بحرارته الغريزية فأنضجته وهضمته وتغذت بِهِ وكما أَن الْحَرَارَة الغريزية تنضجه وتهضمه وتصلحه دَمًا فَكَذَلِك الْحَرَارَة الغريبة قد تعفنه وتفسده. وَهَذَا الْقسم من الضَّرُورَة لَيْسَ للمرَتين فَإِن المرَتين لَا تشاركان البلغم فِي أَن الْحَار الغريزي يصلحه دَمًا وَإِن شاركناه فِي أَن الْحَار العرضي يحيله عفنًا فَاسِدا. وَالثَّانِي: ليخالط الدَّم فيهيئه لتغذية الْأَعْضَاء البلغمية المزاج الَّتِي يجب أَن يكون فِي دَمهَا الغاذيها بلغم بِالْفِعْلِ على قسط مَعْلُوم مثل الدِّمَاغ وَهَذَا مَوْجُود للمرّتين وَأما الْمَنْفَعَة فَهِيَ أَن تبلّ المفاصل والأعضاء الْكَثِيرَة الْحَرَكَة فَلَا يعرض لَهَا جفاف بِسَبَب حَرَكَة الْعُضْو وبسبب الاحتكاك وَهَذِه مَنْفَعَة وَاقعَة فِي تخوم الضَّرُورَة. وَأما البلغم الْغَيْر الطبيعي فَمِنْهُ فضلي مُخْتَلف القوام حَتَّى عِنْد الْحس وَهُوَ المخاطي وَمِنْه مستوي القوام فِي الْحس مُخْتَلفَة فِي الْحَقِيقَة وَهُوَ الخام وَمِنْه الرَّقِيق جد اوهو المائي مِنْهُ وَمِنْه الغليظ جدا وَهُوَ الْأَبْيَض الْمُسَمّى بالجصي وَهُوَ الَّذِي قد تحلل لطبقة لِكَثْرَة احتباسه فِي المفاصل والمنافذ وَهُوَ أغْلظ الْجَمِيع وَمن البلغم صنف
1 / 29