Англия и Суэцкий канал: 1854–1951
إنجلترا وقناة السويس: ١٨٥٤–١٩٥١م
Жанры
ولذا ستهتم كل الحكومات البريطانية مهما تعددت ألوانها الحزبية أو اختلفت برامجها السياسية لا بحياد القناة؛ وإنما بحرية المرور فيها لكل السفن التجارية والحربية في وقت السلم والحرب.
وتبعا لاهتمام إنجلترا بحرية المرور في القناة وسلامة القناة في كل الأوقات، ستزداد في نظرها أهمية مصر التي تخترق القناة أجزاءها الشرقية، لقد ربطت السياسة الإنجليزية مصير مصر ومستقبلها بمصير القناة، وأصبحت مشكلة القناة إلى حد كبير مشكلة مصر.
ونشأت الفكرة التي تقول: إن من الواجب على الحكومة الإنجليزية بعد أن تبينت أهمية القناة الحيوية لها ، شراء الشركة جميعها والإشراف إشرافا تاما على إدارة القناة، وربما ظن بعض الناس أن الخديو إسماعيل كان يفضل أن تستولي شركة إنجليزية على إدارة القناة، ولقد ثارت فعلا في سنة 1874 الإشاعة التي تقول: إن الخديو والباب العالي كانا يفكران جديا في بيع القناة لبريطانيا؛ لأن بريطانيا أكثر الدول اهتماما بالقناة بعد فتحها، ويقال: إن هذا كان من رأي الجنرال ستانتون قنصل إنجلترا العام في مصر أيضا، فهو الذي خاطب حكومته في هذا الشأن، وأيده بعض أعضاء الوزارة الإنجليزية، ولكن جلادستون رئيس الوزارة ومعه لورد جرانفل وجها لهذه الفكرة أذنا صماء، إذ رفضا أن تقوم إنجلترا بتعويض حملة أسهم القناة عما لحق بهم من خسارة مادية، ويقال أيضا: إن فردنند دي لسبس ذهب إلى لندن لهذا الغرض، ولكن وزير الخارجية جرانفل رفض المناقشة مع أي فرد أو هيئة في شروط بيع القناة، ولو تحققت هذه الفكرة لتناقضت مع المبدأ الأساسي الذي قامت عليه الشركة العالمية لقناة السويس، فإن وضع هذه القناة تحت إشراف دولة واحدة يتناقض تماما مع الفكرة العالمية التي قام عليها الامتياز الذي منح للشركة.
وربما كان فردنند دي لسبس نفسه يفكر، أمام الصعوبات المادية والخسارة التي لاقتها شركة القناة في سنيها الأولى، في أن تباع الشركة للدول البحرية الأوربية، وذلك حتى يضمن تماما دوليتها وحيادها. ولكن الحكومة البريطانية لم توافق على هذه الفكرة، وكذلك الحكومة العثمانية ما كانت لتنصت أبدا لمثل هذه المشاريع التي تتعارض بطبيعة الحال مع حقوق سيادتها، فشركة القناة شركة مصرية خاضعة للقوانين والتقاليد العثمانية.
وربما كانت إنجلترا تظن في بعض الأوقات أن مصلحتها تقضي بأن تدير القناة شركة دولية لا فرنسية، ولقد أعلن لورد داربي وزير الخارجية البريطانية في سنة 1874 أنه لا يمانع في ذلك، وكرر هذا الرأي في سنة 1875، على أساس أن وجود هذه الطريق العالمية العظيمة في يد شركة خاصة قد يثير كثيرا من الصعوبات والتعقيدات، ولكن مثل هذه الأفكار لم تخرج إلى حيز التنفيذ، وظلت شركة القناة كما هي.
وبينما كان ديزريلي زعيم المحافظين في إنجلترا، ورئيس الحكومة الإنجليزية، موجها نظره إلى تطور المسألة الشرقية في سنة 1875 إذ وصل إلى علمه وجود مفاوضات في باريس بين الحكومة المصرية وشركة فرنسية لرهن أسهم الخديو إسماعيل في قناة السويس، ولقد اتصل فردريك جرينورد أحد البارزين من رجال الصحافة الإنجليزية والمحرر في مجلة ال «پال مال» بلورد داربي وزير الخارجية البريطانية، وأكد نبأ هذه المفاوضات، وبين أن مصلحة إنجلترا تقتضي أن تسرع الحكومة البريطانية فتشتري هذه الأسهم، والسبب في تقديم الخديو إسماعيل هذه الأسهم للرهن أو البيع هو ما أصاب ميزانية مصر من عجز عن سداد أقساط الديون المتراكمة أو فوائدها الفادحة، وكان عليه أن يجد في شهر نوفمبر في خلال إسبوعين مبلغ أربعة ملايين من الجنيهات.
وكان أمام الخديو إسماعيل إما رهن هذه الأسهم أو تقديمها للبيع، ووضعت الشركة الفرنسية التي كانت تجرى معها هذه المفاوضات شروطا قاسية لإقراض الخديو المبلغ المطلوب، جعلته يتردد كثيرا في التصديق النهائي على شروطها.
وحين عرضت الفكرة على الحكومة الإنجليزية لم يرحب بها داربي كثيرا، ولم يكن ذلك عن قناعة أو تفكير صحيح، ولكن أفق خياله كان ضيقا، وتنقصه الجرأة في كثير من الأمور.
ولكن رئيس الوزارة بنجامن ديزريلي لحظ بسرعة أهمية الصفقة لإنجلترا من الناحية السياسية والإمبراطورية، وخاصة من الناحية السياسية. وكتب للملكة فكتوريا في 18 نوفمبر سنة 1875 يقول:
إن خديو مصر على وشك الإفلاس المالي، وإنه يرغب في بيع أسهمه في قناة السويس، واتصل لذلك الغرض بالجنرال ستانتون ... إنها مسألة ملايين أربعة على الأقل، ولكنها تعطي لمالكها نفوذا عظيما إن لم يكن متفوقا في إدارة القناة، وإنه حيوي لسلطة جلالتك ومركزك في هذا الوقت العصيب أن تصبح القناة ملكا لإنجلترا ... ولقد حاولت أن أقنع داربي، ونجحت في إقناعه بأهمية تحول مصالح الخديو إلينا.
Неизвестная страница