لا تكاد أسئلتنا تلتفت إلى الجغرافيا، ولكن دعنا نسمح لأنفسنا أن نعرب في كلمات قصيرة عن دهشتنا من مدينة بورجيز. يزعم «قاموس تريفو» «أنها واحدة من أقدم بلدات أوروبا، وأنها كانت عاصمة إمبراطورية الغال، وأنها منحت الكلتيين ملوكهم.»
لا أرغب في النزاع حول عراقة أي بلدة أو عائلة، ولكن هل كانت للغال إمبراطورية؟ وهل كان للكلتيين ملوك؟ هذا الهوس بالعراقة هو المرض الذي لن يشفى منه المرء قريبا. ليس لدى الغال ولا ألمانيا ولا اسكندينافيا أي شيء قديم سوى الأرض والشجر والحيوانات. إن أردت أشياء قديمة فيمم نحو آسيا، وحتى حينئذ، لن تجد سوى القليل. الإنسان قديم، والآثار جديدة، هذا ما أشرنا إليه في أكثر من مقالة.
إن كان مفيدا حقا أن يولد المرء داخل تجويف صخري أو خشبي أقدم من غيره، فسيكون معقولا حينئذ إثبات أن تاريخ بلدة المرء يعود إلى زمن حرب العمالقة، لكن طالما أنه لا توجد أدنى فائدة في هذه الخيلاء، فعلى المرء أن يتجنبها. هذا كل ما كان علي أن أقوله بشأن بورجيز.
البراهمة
أليس محتملا أن يكون البراهمة أول مشرعي الأرض، وأول الفلاسفة، وأول اللاهوتيين؟
ألا تشكل آثار التاريخ القديم القليلة المتبقية لنا افتراضا عظيما لصالحهم، بما أن الفلاسفة اليونانيين الأوائل ذهبوا إليهم ليتعلموا الرياضيات، وأن أقدم التحف التي جمعها أباطرة الصين كانت جميعها هندية؟
سنتحدث في موضع آخر عن «الشاستا»، وهو أول كتاب في لاهوت البراهمة، كتب منذ ما يقرب من ألف وخمسمائة عام قبل كتابهم «الفيدا»، وهو سابق على جميع الكتب الأخرى.
لم تذكر حولياتهم شيئا عن أي حرب شنوها في أي وقت. إن كلمات من قبيل: «أسلحة»، «يقتل»، «يشوه»، لن تجدها في الآثار الباقية، سواء في «الشاستا» التي لدينا، أو في «الإزورفيدام»، أو في «الكورموفيدام ». أستطيع على الأقل أن أؤكد أني لم أرها في هاتين المجموعتين الأخيرتين ؛ لكن الأغرب أن «الشاستا» التي تتحدث عن مؤامرة في السماء لا تشير إطلاقا إلى أي حرب في شبه الجزيرة العظيمة المحصورة بين نهري السند والجانج.
أما العبريون الذين عرفوا مؤخرا جدا، فلم يذكروا البراهمة مطلقا؛ فلم تكن لديهم معرفة بالهند حتى بعد غزوات الإسكندر، وإقامتهم في مصر التي ذكروها بشر كثير. لن تجد اسم الهند إلا في سفر إستير، وسفر أيوب الذي لم يكن عبريا. يمكن للمرء أن يلحظ تباينا فريدا بين الكتب المقدسة عند العبريين وتلك التي عند الهنود. الأخيرة تعلن فقط عن السلام واللطف؛ فهي تحرم قتل الحيوانات. أما كتب العبريين فتتحدث فقط عن القتل وعن مذابح الناس والوحوش؛ فكل شيء يذبح باسم الرب. شتان بين الاثنين.
لا شك أننا ورثنا من البراهمة إيماننا بفكرة سقوط المخلوقات السماوية الثائرة ضد سيد الطبيعة؛ ومن المحتمل أن اليونانيين استمدوا من هناك أيضا أسطورة العمالقة، ومن هناك أيضا اقتبس اليهود في النهاية، في القرن الأول من عصرنا فكرة ثورة لوسيفر.
Неизвестная страница