كانت القبلة شكلا عاديا من أشكال التحية خلال الأزمنة القديمة. يذكر بلوتارخ أن المتآمرين، قبل أن يقتلوا قيصر، قبلوا وجهه ويده وصدره. يقول تاسيتس إنه حينما عاد أجريكولا، حمو قيصر، من روما استقبله دوميتيان بقبلة باردة، ولم يقل له شيئا، وتركه مرتبكا وسط الجمع. وكان الشخص الأدنى منزلة الذي لم يكن بمقدوره أن ينجح في تحية من يفوقه منزلة بالتقبيل، يضع فمه على يده ويرسل له قبلة، يرد عليها الآخر بالطريقة نفسها إذا رغب في ذلك.
استخدمت هذه العلامة أيضا في عبادة الآلهة. يقول أيوب في سفره (الإصحاح الحادي والثلاثين)، الذي يحتمل أن يكون أقدم الأسفار المعروفة، إنه لم يعبد الشمس والقمر مثل العرب الآخرين، وإنه لم يرفع يده إلى فمه وهو يتطلع إلى النجوم.
في عالمنا الغربي لا يتبقى شيء من هذه العادة القديمة سوى المجاملة الطفولية اللطيفة التي ما زالت تعلم للأطفال في بعض المدن الصغيرة، بتقبيل الأيدي اليمنى حينما يمنحهم أحد بعض الحلوى.
كان أمرا فظيعا أن تخون بقبلة. كان هذا هو ما جعل قتلة قيصر أكثر بغضا. نعلم جميعا عن قبلات يهوذا التي صارت مضرب المثل.
لأن يوآب، أحد قادة داود، شديد الغيرة من عماسا، وهو قائد آخر، يقول له (سفر صموئيل الثاني: 20: 9): «أسالم أنت يا أخي؟ وأمسكت يد يوآب اليمنى بلحية عماسا ليقبله.» وبيده الأخرى، سل سيفه «وضربه به في الضلع الخامس، فدلق أمعاءه على الأرض.»
ربما لن نجد قبلة أخرى في الاغتيالات الأخرى المتكررة نوعا ما التي ارتكبت بين اليهود، إلا أن تكون ربما تلك القبلات التي منحتها يهوديت للقائد أليفانا قبل أن تقطع رأسه وهو نائم في فراشه، ولكن ما من إشارة إليها، والأمر هنا محتمل وحسب.
في إحدى تراجيديات شكسبير المعنونة «عطيل» نجد هذا العطيل، الذي هو رجل أسود، يمنح قبلتين لزوجته قبل أن يشنقها. ربما يبدو هذا بغيضا للغاية للشرفاء؛ لكن أنصار شكسبير يقولون إنها طبيعية على نحو رائع، وخصوصا مع رجل أسود.
حينما اغتيل جيوفاني جالياس سفورزا في كاتدرائية ميلانو في عيد القديس ستيفن، فإن الميديتشيين بكنيسة ريباراتا، والأدميرال كوليني، وأمير الأورانج، والمارشال دانكر، والإخوة ويت، وكثيرين غيرهم لم يقبلوا على الأقل.
ولا أعلم أي أمر رمزي أو مقدس اقترن بالقبلة بين القدماء؛ إذ كان المرء يقبل تماثيل الآلهة ولحاها حينما كان النحاتون يظهرونها بلحية. كان المنضمون حديثا يتبادلون القبلات في أساطير سيرس الغامضة علامة على الوفاق.
كان المسيحيون الأوائل، رجالا ونساء، يقبل بعضهم بعضا على الفم في «أغابيهم»، وكانت هذه الكلمة ترمز لعيد المحبة. كانوا يعطون بعضهم بعضا القبلة المباركة، قبلة السلام، قبلة الأخ والأخت. استمرت هذه العادة لأكثر من أربعة قرون، ومنعت في النهاية بسبب عواقبها؛ فقبلات السلام هذه، وأغابي المحبة هذه، وتسميات «الأخ» و«الأخت» هذه هي ما جلب على المسيحيين الذين كانوا معروفين قليلا اتهامات الزنا التي اتهمهم بها كهنة جوبيتر وكاهنات فيستا. ترى في كتابات بيترونيوس وغيره من المؤلفين العلمانيين أن المتحررين كانوا يطلقون على أنفسهم وصف «أخ» و«أخت». وكان من المعتقد أن الأسماء نفسها بين المسيحيين تشير إلى السمعة السيئة نفسها. كانوا شركاء أبرياء في الجريمة بنشرهم تلك الاتهامات عبر الإمبراطورية الرومانية.
Неизвестная страница