Сердце Ирака: путешествия и история
قلب العراق رحلات وتاريخ
Жанры
فالنساء الفاضلات الباسلات، اللواتي يجاهدن في بيوتهن، ويستبسلن في سبيل الحب والسلام، النساء الكاظمات، الصابرات، الورعات، الحافظات أمورهن، وأمور ذويهن، الباذلات نفوسهن من أجل أزواجهن وأبنائهن ، النساء اللواتي تتقدس في حياتهن الأمومة والأسرة؛ إنهن على الدوام مجاهدات مستبسلات في كل مكان.
أحب أن أتخيل لنفسي أن الست زبيدة التي ترقد تحت هذه القبة، هي من النساء اللواتي ذكرت - هي المرأة المجهولة - فاجثوا أمام ضريحها كما تجثو الأمم في هذا الزمان أمام ضريح الجندي المجهول.
وعندما ينفتح قلب بغداد لهذا الإحساس والإدراك تصبح بغداد فريدة مجيدة بين المدن. بل يحق لها إذاك أن تخاطب مدن العالم قائلة: عني خذوا وبي اقتدوا.
غزوات الأثريين
للنزل الذي كنت مقيما فيه صحن فسيح مفروش بالبلاط الأبيض، يرحب حتى بالسيارات. وفي ذات يوم، ساعة الفجر، سمعت صوت بوق صخاب، فإذا بسيارتين في ذلك الصحن، وقد كساهما غبار الصحراء، الواحدة عادية، تظهر في مؤخرها لوحة بلدية دمشق، والثانية كبيرة فخمة، تحمل لوحة حمراء مطبوعا عليها اسم مدينة من المدن الكبرى في الولايات المتحدة. فسارع إلى استقبال الركب مدير النزل الكلداني، يحييهم بالإنكليزية، وتبعه الخدم لنقل ما أثقلت به السيارتان.
ثلاثة رجال في معاطف من الجلد، وهم حليقون، بيض البشرة زرق العيون، وسيدتان شقراوان جميلتان، كل واحدة منهما في معطف من الفرو يندر مثله - ويندر مثلها - في بغداد. قلت: سياح من أغنياء الأميركيين. وقلت: سفير من السفراء. فكنا قد سمعنا أن السفير الأميركي المعين لطهران سيمر في ذلك الأسبوع ببغداد في طريقه إلى مركزه الجديد.
بادر الخدم إلى السيارتين ينقلون ما حملتاه من حاجات الأسفار ونوافلها. وما أكثرها عدا وشكلا! حقائب وصناديق كبيرة وصغيرة، وأكياس من الجلد ومن القماش، وأحزمة ومعاطف وشالات، وعلب لبرانيط النساء والرجال. المسافر - ولا غرو - سفير أو ثري.
ثم جاء ما ينبئ بغير ذلك. وما أكثر ما استخرج من داخل السيارتين! كأنما الخدم من السحار وكأنما السيارة قبعة سحر يخرجون لك منها حتى بالة من القطن. وهذه قرب من القماش وجزم طويلة من المطاط، ومعاطف من جلد الغنم، وصناديق من الصودا والمياه المعدنية، والآلات الكاتبة، وآلات للتصوير، وللمساحة، وصندوق من اللحم المقدد، وعلبة كبيرة فيها علب صغيرة، فيها سحيق لقتل البرغش!
ليس القادم سفيرا أميركيا، ولا هؤلاء بسياح أغنياء. إنما هم الطليعة لبعثة أثرية أميركية. أجل فقد تغيرت الأشكال بعد الحرب العظمى، كما تغيرت الأخلاق. فصرنا نرى العالم فنظنه سفيرا، والسفير فنظنه تاجرا أو متجولا، والمتجول السائح فنظنه من أهل الورع والتقشف.
أما ذلك العالم محدودب الظهر، كث اللحية، اللابس ثوبا باليا ونظارات مصدأة، المتأبط كتابه، الحامل حقيبته بيده، فقد أمسى أثرا من الآثار، وجاء عالم اليوم رجلا بهي الطلعة، حليقا نشيطا، وردي الخد، متقد الباصرة، أنيقا كيسا، تظنه في حركاته سفيرا. وإن ما يتقاضاه ثمن علمه وعمله لأكثر مما يتقاضاه السفير، فيغدو وبإمكانه أن يصطحب امرأته أو حبيبته أو رفيقته إلى مكان عمله. وقد تكون السيدة المرافقة عضوا من البعثة، قد تكون من الغزاة؛ ذلك لأن علم الآثار، بعد الحرب، أضحى من العلوم المثمرة - ماديا - فتهافت عليه من أهل العلم الرجال والنساء.
Неизвестная страница