ووجدت أحداث الليالي أولعت
بأخي الندى تثنيه عن آرابه
رأى الفارس ما رأى من تلك الداهية الدهماء والبلية الصماء، فغاب عن الصواب ووقف كمن وقع به مس من الجن، ثم انتبه إلى نفسه وجعل يفتش عمن ارتكب تلك الفعلة الشنعاء، فلم يقف له على عين ولا على أثر فعاد إلى كلبه، فوجد جرحه مميتا والنصل مكسورا فيه، فلما رآه الكلب جعل يبصبص بذنبه ويئن أنين الألم الشديد، ولا سيما عندما حاول أن ينزع النصل من جرحه، فاسودت الدنيا في عينيه وضاقت عليه بما رحبت، فاغرورقت عيناه بالدموع، وبكى بكاء الثكلى، ثم سمع منشدا ينشد ويقول:
سلم أمورك للمهيمن كلها
واهرب إليه فذاك نعم المهرب
وإذا بليت بنكبة فاصبر لها
من ذا رأيت مسلما لا ينكب
فالتفت وإذا بالحكيم العربي مقبل نحوه، فلما رآه الحكيم يبكي ويتوجع رثى لبلواه وعزاه على مصابه، وطلب إليه أن يسمح له بمداواة الكلب، ثم أخرج آلة من جيبه نزع بها النصل من الجرح، وذر عليه ذرورا أوقف الدم ثم ضمده وعصبه، وقال له: «إذا سمحت لي أن آخذه إلى خيمتي وأعالجه فالأرجح أنه يشفى.» فقال له: «عليك به وإذا شفي فهو لك، أما أنا فلم يبق بي حاجة إليه.» فصفق الحكيم بيديه، وإذا باثنين من عبيده دنوا منه فأمرهما أن يحملا الكلب إلى خيمته، فنظر إليه السر وليم وقال له: «الوداع يا كلبي الأمين، الوداع يا رفيقي في السراء والضراء، ليت السهم الذي أصابك أصاب قلبي وأراحني من غصص الحياة، فكنت أموت في شرفي ولا ألتحف بالعار والازدراء.» فقال له الحكيم: «وما أصابك حتى تفضل الموت على الحياة؟» فقال: «أصابني مصاب يعجز عنه طبك فدعني وشأني.» فقال الحكيم: «اشرح لي مصابك فلعلك لا تعدم مني دواء شافيا؛ لأن الله خلق لكل داء دواء.» فقال: «انتدبني الملك أمس إلى حراسة علمه على هذه الأكمة، فسرق العلم وكسر الرمح والأمر كما ترى.» فنظر إليه الحكيم متعجبا من أمره وقال له: «سلاحك سليم وجسمك صحيح، وما أنت لتهرب من وجه العدو على ما سمعت من شهادة الناس فيك، فلم يبق إلا أن إحدى ربات الجمال اللواتي تعبدونهن كما تعبدون إلهكم قد أغرتك وأبعدتك عن هذا المكان.» فقال الفارس: «وإن كان الأمر كما ذكرت فما العلاج؟» فقال الحكيم: «إذا نبا بكريم موطن فله
وراءه في بسيط الأرض أوطان
فرأيي أن تهرب من غضب الملك ريكارد إلى حمى السلطان صلاح الدين.»
Неизвестная страница