Каира
القاهرة: نسيج الناس في المكان والزمان ومشكلاتها في الحاضر والمستقبل
Жанры
نجا طريق صلاح سالم من الابتلاع بواسطة العمران على جانبيه بفضل وجود الجبانة المملوكية ومعسكرات ونواد عسكرية في شرقه، وانتشار معسكرات للشرطة والجيش بين العباسية والقلعة على الجانب الغربي، مع ارتفاع مناسيب الأرض لسابق وجود تلال وأكوام قديمة في هذه المناطق استغلت بعضها في إقامة دار الإفتاء ومبنى مشيخة الأزهر. (8)
كان إنشاء أوتوستراد مدينة نصر-حلوان بمثابة التفاف من الشرق حول هذه الجبانات المملوكية فوقعت بين فكي كماشة الأتوستراد وصلاح سالم، ومن ثم اخترقتها طرق حديثة للسيارات سوف تهدد المباني المعمارية الرائعة للمساجد والمدارس والآثار المملوكية بالتدمير البطيء نتيجة لمؤثرات ثلاثة، هي: عادم السيارات، والاهتزازات الأرضية الناجمة عن مرور اللوريات والشاحنات الثقيلة، وسكن عشوائي داخل هذه المنطقة الأثرية مع إنشاء ورش إصلاح ودهان السيارات، وما يؤدي إليه من تسرب ماء باطني تحت أساسات المباني، وإلى أبخرة لحام الأوكسجين وطلاء الدوكو المشبع بالمتطايرات من المواد الكيميائية، ولكن بعد تكثيف البناء شرقي الأوتوستراد تحول الطريق الدائري في صلاح سالم والأوتوستراد إلى ممرات للحركة الكثيفة البطيئة داخل المدينة. (9)
ثم جاء الطريق الدائري الذي أصبح يعمل كالمغناطيس في جذب مزيد من اختطاط أحياء جديدة، خاصة في الجزء القاهري منه، بينما الجزء الآخر في الجيزة لا يزال تائها بين القرى التي فقدت معنى ووظيفة الريف وبين الألسنة العمرانية الحديثة للمهندسين والصحفيين وفيصل والهرم. والمفروض أن القليل جدا من أبنية خدمات الطريق كمحطات البنزين واستراحات صغيرة، هي التي تقترب من أي طريق حلقي؛ لكي يبقى طريقا حرا للحركة السريعة حول المدينة مع تعدد المداخل والمخارج من وإلى محاور رئيسية في شبكة طرق المدينة. لكننا نهدم الأساس الذي بني من أجله الطريق الدائري بإنشاء مجموعة أحياء جديدة، سميت: القاهرة الجديدة، قيل: إنها سوف تتسع لمليونين أو لأربعة ملايين من الناس أو أكثر، تمتد من الهجانة إلى التجمع الأول والخامس والثالث والقطامية والأمل والمعادي الجديدة ... أسماء كثيرة وطموحات غير صحيحة لا في الموقع أو المحتوى والهدف . فأين إذن الطريق الحلقي إذا أضفنا إلى ذلك النمو العمراني على الأرض الزراعية من شبرا الخيمة وميت نما إلى السلام وبركة الحاج والمرج والقلج شمال وجنوب الطريق الدائري مباشرة؟ (10)
استغرق تحول طريق صلاح سالم إلى طريق داخلي نحو ربع قرن. أما الطريق الدائري الجديد، فإنه سيتحول في زمن أقل من ذلك بكثير إلى طريق داخلي. ذلك أن مقدمات التحول بدأت فعلا في شمال وشرق القاهرة، وقد يترتب على ذلك أن مطار القاهرة الدولي سوف يصبح داخل دائرة عمران القاهرة بإحاطته من الشمال والشرق فضلا عن إحاطته الحالية من الغرب والجنوب. فهل يتحول هو الآخر إلى مصير مطار ألماظة، ونبحث عن موقع مطار آخر على بعد 40-50 كيلو متر من القاهرة؟
هذا النمو الضخم المتسارع قد فجرته عدة عوامل، على رأسها المركزية المطلقة التي تمارسها القاهرة على كل أشكال الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية في مصر. أصدق تعبير عن تلك المركزية المسيطرة هو استحواذ القاهرة على أكبر قدر من الهجرة الداخلية،
4
وقد نقل المهاجرون عددا من الأشكال الحضارية إلى أحياء تكاد أن تقتصر على مهاجرين من إقليم معين أو محافظة معينة، وبذلك أخذت مناطق كثيرة من القاهرة «تتريف»؛ أي تظهر في مساكنها ومحلاتها التجارية وملابس وتصرفات سكانها اليومية سمات حياة القرية الريفية داخل المدينة.
ونتيجة لهذا أصبحت القاهرة منطقة اختلاط، وتضارب في المفهومات وبعض الممارسات الاجتماعية، وربما بعض الممارسات اللغوية نتيجة للتركيب الحضاري للسكان، وهناك عوامل كثيرة اجتماعية واقتصادية تسعى إلى تسوية الفروق بين هذه التراكيب المدينية في القاهرة، ويقوم شيوخ التعليم الحديث في القاهرة بالدور الأول في هذه التسوية، إلا أن ذلك سوف يأخذ وقتا قبل أن يصبح الكل مواطنين للمدينة جيلا واحدا على الأقل، ويتطلب هذا تحديد تيار الهجرة إلى القاهرة إلى حدود ضيقة وبوسائل متعددة كما سنوضح فيما بعد.
مشكلة القاهرة الكبرى
هذا باختصار شديد ما حدث خلال هذا القرن؛ لكي تصبح القاهرة حقيقة شديدة البروز فوق خريطة مصر. فقد امتد مجمع المدينة الكبير امتدادا شاسعا بالنسبة لمساحة المجال العمراني الضيق في مصر، ولم يعد لهذه المدينة نظير - من قريب أو بعيد - في مصر والشرق الأوسط وأفريقيا، ليس فقط من حيث المساحة، ولكن من حيث محتواها المكتظ بملايين الناس ومئات المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والتموينية والتعليمية والصحية، وعشرات الآلاف من المشكلات اليومية، على رأسها آلام الانتقال اليومي في الشوارع الأساسية من حيث الاختناق وفوضى المرور؛ لأسباب عدم التوازن بين الشوارع ومتطلبات الحركة الحالية،
Неизвестная страница