321

Каира

القاهرة: نسيج الناس في المكان والزمان ومشكلاتها في الحاضر والمستقبل

Жанры

غزو القاهرة القديمة

وقد ظلت ثنائية القاهرة واضحة إلى حوالي نصف قرن مضى، وما تزال الثنائية ظاهرة في عدد من الأشكال. لكن الكثير من التغير قد طرأ على القاهرة القديمة نتيجة الغزو الحضاري الاجتماعي الاقتصادي من جانب القاهرة الحديثة. وفي الحقيقة لم تعد القاهرة القديمة تحتفظ من قدمها إلا بالشكل المادي : الطرق المتعرجة، والبيوت المتهالكة، وبعض الحرفية القديمة، إلى جانب آثارها الإسلامية الرائعة. هجرها أغنياؤها، ولم تدخلها الخدمات الحديثة إلا بأقل القليل، وبعبارة قصيرة: لم تصمد القاهرة القديمة للغزو، برغم محاولات الإحياء لمساجد أثرية وبيوت تاريخية، وسقطت إلى مجرد حي فقير من أحياء القاهرة الحديثة؛ نتيجة عدم التعادل في القوى الاقتصادية الاجتماعية بين القديم الحرفي العائلي السمة والحديث الآلي الأسري السمة. بل إن القاهرة الحديثة قد نجحت في تغيير وظيفة المدينة القيمة؛ فحولت جزءا من المدينة القديمة لتجارة الجملة كخلفية تخدم أسواق القاهرة الجديدة.

طرق غزو القاهرة القديمة

وقد كانت أهم وسائل غزو القاهرة القديمة رأس الحربة التي شقت القاهرة القديمة شطرين؛ إنشاء شارع الأزهر بعد سنة 1920 بعرض 20 مترا - بدايات لم تتم في عصر محمد علي - وقد أثار إنشاء هذا الشارع وشارع الجيش الحالي اعتراضات كثيرة آنذاك؛ لكثرة التعويضات التي بلغت 300 ألف جنيه! وبدخول المواصلات الحديثة إلى شارع الأزهر أصبح هو المحور الأول بعد أن كان شارع الموسكي وامتداده في شارع السكة الجديدة - التي أنشأهما محمد علي بعد سنة 1815 بعرض أربعة أمتار - هو المحور الأساسي لنحو قرن من الزمان للدخول من العتبة إلى منطقة الأزهر-الجمالية. وأصبح شارع الأزهر مركزا لتجارة الجملة، وتنافست المحال الكبيرة للحصول على واجهة تطل على هذا العالم الجديد، ولكن الحاجة المكانية الملحة أبقت على الموسكي والسكة الجديدة كشارع أعمال من الدرجة الثانية لفترة، والآن هو من أغلى شوارع القاهرة قيمة عقارية أو إجارية؛ لأنه سوق لا يشق له غبار للسلع المتوسطة القيمة التي لا غنى عنها لغالبية سكان القاهرة من الفقراء ومتوسطي الحال.

كذلك كان لإنشاء شارع الجيش الحالي - سابقا الأمير فاروق من العتبة إلى الحسينية - أثر كبير في تقطيع أوصال القاهرة القديمة في قسمها الشمالي؛ فصل باب البحر والفجالة والظاهر والرويعي عن الموسكي ودرب البرابرة وباب الشعرية والبيومي والحسينية. كما أدى إلى تدهور شارع الخليج - ردم سنة 1899 - الذي كان يلتوي داخل المدينة القديمة، ولم تعد له أهميته في شبكة شرايين القاهرة الحديثة إلا بعد أن استقام هو الآخر - قدر المستطاع - والتحم بعدد من الشوارع الضيقة الموازية: درب الجماميز، شوارع الحبانية، وجامع البنات، وبين الصورين، وباب الشعرية، وشارع الشعراوي البراني ... إلخ، تحت مسمى شارع الخليج الذي أعيد تسميته شارع بورسعيد، وأصبح محورا مهما يربط غمرة والسيدة زينب.

وكان شق شارع القلعة؛ «محمد علي» قد سبق ذلك بكثير - بدايات الطريق منذ عهد محمد علي، وتم في عهد إسماعيل - وقد أدى إلى تقطيع المدينة القديمة في الجنوب، فاصلا بين السيدة وطولون والحلمية وعابدين وأرض شريف في جانب، وباب الوزير وسوق السلاح والخيامية وتحت الربع وسكة المناصرة في جانب آخر. لكن شارع محمد علي لم يؤد إلى النتيجة التي انتهى إليها شارع الجيش؛ ذلك أن شارع القلعة - بعد أن نزل الحكم من القلعة إلى قصور القاهرة الجديدة في عابدين والقبة - أصبح شارعا لا يقود إلى مكان ذي أهمية في الحياة السياسية اليومية، وفضلا عن ذلك فهو يقود إلى طريق مسدود بواسطة بروز جبل المقطم في هذا الهامش الجنوبي من القاهرة، وإلى المقابر الشاسعة في الإمام الشافعي، وإلى محاجر وتلال عين الصيرة ومصر القديمة. أما طريق الجيش؛ فقد كان يقود القاهرة إلى جبهة توسع عمراني هائلة شمالا بشرق العباسية وحدائق القبة ومصر الجديدة، وهذا هو اتجاه التوسع العمراني الذي تحابيه مجموعة الظروف الطبيعية والبشرية في إقليم القاهرة.

القاهرة اليوم

هكذا ارتبط مصير القاهرة القديمة بالتغير الاقتصادي الاجتماعي الذي دخلته مصر منذ الربع الثاني من هذا القرن، وفي خلال السنوات الخمسين الماضية انطلقت القاهرة الجديدة انطلاقة هائلة عبر كل العوائق الطبيعية والبشرية كما يظهر من النقاط التالية: (1)

كانت وسيلة هذا الانطلاق الطرق المستقيمة الطويلة والكباري، وأقدم هذه الطرق المستقيمة شارع شبرا - شق سنة 1815 ليصل إلى قصر محمد علي. وكونت شوارع القلعة والأزهر والجيش والتحرير وقصر العيني وبولاق - 26 يوليو - الشبكة الهيكلية لنمو القاهرة صوب حقول الشمال إلى شبرا الخيمة ومسطرد والمطرية، وصوب رمال الشرق إلى العباسية ومصر الجديدة ومدينة نصر، وصوب الجنوب عبر الشريط الزراعي الضيق إلى المعادي وحلوان والتبين، وصوب الغرب عبر النيل إلى الجيزة والهرم وبولاق الدكرور وإمبابة. (2)

عدم وجود مخططات رئيسية

Неизвестная страница