Каира
القاهرة: نسيج الناس في المكان والزمان ومشكلاتها في الحاضر والمستقبل
Жанры
وإذا صح هذا عامة على الحزام الأوسط، فإنه شديد الانطباق على الشرق الأوسط، الذي هو منتصف العقد في الحزام الأوسط، ومصدر الحضارات والديانات، وملتقى تيارات العالم القديمة والحديثة على السواء. وأهم ما يتميز به الشرق الأوسط هو النمط الواحي في الاستقرار، سواء كان ذلك في صورة الواحة المعروفة من وسط آسيا إلى الجزيرة العربية والصحراء الكبرى، أو في صورة عقود متصلة من الواحات على ضفاف الأنهار القصيرة والطويلة، وعلى رأسها النيل ودجلة والفرات وسرداريا وأموداريا - سيحون وجيحون - في صحاري آسيا الوسطى، ولندرة الأرض المنتجة في مثل هذه الظروف الواحية؛ فإن مواقع المدن كادت أن تثبت في أماكنها دون تغيير إلا في حالات شاذة. وقد ساعد ثبات الموقع على تعقد تاريخ المدينة في الشرق الأوسط؛ لطول أعمارها، ولتداخل أنماط المعمار والخطط العمرانية تداخلا يماثل التعايش والتكيف الذي حدث في حضارة هذا الإقليم حينما استوعبت وهضمت جوانب حضارية وافدة، وأبقت على كثير من جوانب الحضارة السالفة في مركب شديد التمازج.
ثنائية القاهرة
وتمثل القاهرة كل هذه الخلفية التاريخية والمكانية للمدن في الشرق الأوسط خير تمثيل، وهي إلى جانب تاريخها الطويل تعكس التطورات التي أدت إليها استقبالات عصر النهضة المصرية خلال القرن التاسع عشر، ومضمون الحضارة الصناعية خلال القرن العشرين. وقد أدت التغيرات السياسية والاقتصادية في مصر خلال الفترة من أواسط القرن ال 19 إلى اليوم إلى نمو سريع ومستمر لقاهرة الحضارة الصناعية في إطار لم يتجاوز التجاور المكاني للقاهرة القديمة خلال الأعوام المائة الماضية؛ لهذا كانت ثنائية القاهرة واضحة، يرمز إليها وجود السوق القديمة: بازارات خان الخليلي، ومحلات التربيعة، والموسكي ... إلخ، والسوق الحديثة: وسط البلد بمفهوم القاهري.
القاهرة القديمة
وبرغم التجاور المكاني فإن كل شيء في القاهرة القديمة والحديثة مختلف تماما؛ فخطة شوارع المدينة القديمة لا تخضع لتصنيف؛ الطرق والحارات المتعرجة الضيقة المسقوفة في أحيان كثيرة تعبر عن تكيف أمثل لنهار قائظ معظم أيام السنة، معمار سكني قديم خطته الأساسية الانفتاح على الحوش الداخلي والانغلاق عن العالم الخارجي بأسوار وبوابات تعبيرا عن نمط العائلة القديم الذي يسيطر فيه الرجال على عالم المرأة، أو «الأرباع» الضخمة التي تأوي عددا كبيرا من الأسر كادت أن تصبح عشائر مستقلة يربط أعضاءها التصاهر والتزاوج، وتنغلق بأسرارها عن العالم الخارجي. تقسيم مهني لأحياء المدينة يجعل منها عوالم ميكروكوزمولوجية منفصلة عن بعضها نفسيا وسلوكيا وفنيا مستندة في ذلك إلى أسس نشاط اقتصادي، وممارسات حرفية مختلفة بين الحي والآخر. مركز استقطاب كبير لهذه المدينة كلها يمثله الجامع الأزهر كرمز للدين الذي يجمع الناس بصلاحياته الاجتماعية الواسعة في مواجهة القلعة كمركز للحكم.
القاهرة الحديثة
أما القاهرة الحديثة، فقد تميزت بشوارع مستقيمة، وعمائر عالية، وأسواق مفتوحة، وشقق تأوي إليها أسر نووية لم يعد فيها محل للعائلة الممتدة التقليدية، ولم تعد الأحواش متنفسات المدينة الداخلية، بل ظهرت الحدائق كضرورة بديلة للحوش، وبذلك انهارت الانغلاقية والحمية العصبية للحارات والأحياء، وظهرت محلها روابط اجتماعية أخرى مبنية على الاختيار الحر للأفراد بدلا من الروابط التي كانت مفروضة بحكم علاقات الدم والنسب والمهنة والجوار.
ولم تعد هناك أحياء ذات نشاطات اقتصادية موحدة يسكن داخلها غنيها وفقيرها جنبا إلى جنب، بل أحياء جديدة للقاهرة الجديدة صنفت الناس تصنيفا آليا على أساس قدراتهم المالية. فأصبحت هناك أحياء الفقراء والطبقة الوسطى والأغنياء، ولكل منها سمات أشد اختلافا في كل مظاهر الحياة المادية واللامادية مما كان في أحياء المدينة القديمة، وأصبح الاستدلال على مهنة الشخص من محل سكنه أمرا صعبا عكس ما كان في القاهرة القديمة، بينما أصبح الاستدلال على مستوى الشخص المادي من عنوان سكنه أمرا سهلا في القاهرة الحديثة .
2
وحلت تنظيمات أخرى محل ما كان سائدا من طوائف المهن؛ نقابات للعمال والفئات العاملة، ونواد لطوائف العمل وطبقات الناس، وبعدت طبقات الناس عن بعضها البعض باختلاف مصالحها، وبعد الناس مكانيا وواقعيا من تأثيرات الاستقطاب الكبرى للأزهر بحلول الكثير من التنظيمات الاجتماعية الاقتصادية المنبعثة من حضارة العصر الصناعي، وبعد الحكم عن القلعة والقصور إلى التنظيمات السياسية والاقتصادية الحديثة المعبرة أيضا عن ضرورات وملزمات العصر الصناعي.
Неизвестная страница