كان كيفين قد قال: «أنا أعني ذلك، عندما أقول لو كنت أنا الشرطة لكان علي أن أجازف بالأمر. إذ إن لديهم قضية مقبولة بما يكفي. كما أن إدانة بسيطة لطيفة هي دائما سبب لارتقاء شخص ما على سلم الترقيات. ولسوء الحظ - أو من حسن حظ المواطن - أن الرجل الذي يقرر ما إذا كان الأمر سيحال إلى القضاء أم لا هو الرجل صاحب الرتبة الأعلى، وهو لا يهتم بأي ترقية سريعة لمرءوسيه. من المذهل أن تكون الحكمة هي نتاج ثانوي للقوانين المنظمة للإدارات العليا.»
كان روبرت، وهو ثمل قليلا من الويسكي، قد سمح للتشاؤم أن يتجاوزه. «لكن دعهم يصلون إلى دليل تأييد واحد، وسيأتون بأمر إحالة للقضاء إلى باب منزل فرنتشايز في وقت أسرع مما يمكنك أن ترفع فيه سماعة الهاتف.»
قال روبرت الثمل: «لن يحصلوا على أي دليل تأييد. لماذا يجب عليهم ذلك؟ كيف يمكنهم أن يفعلوا ذلك؟ ما نريد أن نفعله هو دحض قصة الفتاة بأنفسنا، وبذلك لا تتعرض حياة السيدتين شارب إلى اللعنة طوال الحياة. بمجرد أن أقابل عمتها وزوج عمتها غدا، ربما نحصل على معلومات عامة عن الفتاة حتى نوجد مبررا لنقطة انطلاق التحريات التي سنعمل عليها.»
في تلك اللحظة كان يسرع عبر طريق لاربورو الأسود اللامع في طريقه لمقابلة قريبي بيتي في ضاحية مينشيل؛ هذين الشخصين اللذين كانت قد أقامت لديهما في الإجازة المشهودة. وهما السيد والسيدة تيلسيت. منزل تيلسيت، 93 تشيريل ستريت، مينشيل، لاربورو، وكان الزوج وكيلا متنقلا لصالح شركة لصناعة الفرش في لاربورو ولم يكن لديهما أطفال. كان ذلك كل ما عرفه روبرت عنهما.
توقف لوهلة بينما كان ينحرف عن الطريق الرئيسي في ضاحية مينشيل. كانت تلك هي الناصية التي انتظرت عندها بيتي كين حافلتها. أو قالت إنها انتظرت. لا بد أنها كانت هناك على الجهة الأخرى. إذ لا يوجد أي منعطف جانبي على ذلك الجانب؛ لا شيء سوى الامتداد الطويل لرصيف متواصل بقدر ما يمكن لشخص أن يدركه ببصره في أي اتجاه. إنه شارع مزدحم بما يكفي في هذا الوقت من اليوم؛ لكنه خال بما يكفي، حسب افتراض روبرت، في ساعة غير حافلة بالنشاط في وقت متأخر من وقت ما بعد الظهر.
كان تشيريل ستريت عبارة عن سلسلة طويلة من نوافذ بارزة بزاوية من طوب أحمر متسخ، واجهتها الأمامية تكاد تلامس السور المنخفض من الطوب الأحمر الذي يحيط بها من الرصيف. أما التربة السيئة على جانبي النافذة التي تستخدم كحديقة فلم تكن قد ظهرت عليها أي من مزايا الأرض المزروعة حديثا لميدوسايد لين، بإيلزبري؛ لم ينم بها سوى نباتات رقيقة من كاسر الحجر، وزهور برية هزيلة، وزهور أذن الفأر التي تأكلها فراشة الليل. والاعتزاز نفسه لربات المنازل الملاحظ في تشيريل ستريت لا يختلف عن ذلك الموجود في إيلزبري، بالطبع، ونفس الستائر المتموجة المعلقة على النوافذ؛ لكن إن كان هناك شعراء في تشيريل ستريت لوجدوا متنفسا آخر لأرواحهم غير الحدائق.
عندما دق جرس المنزل رقم 93 - الذي يتعذر تمييزه من المنازل الأخرى بقدر ما تمكن من الملاحظة إلا من خلال رقميه المطليين - بلا جدوى، ثم طرق بابه، اندفعت سيدة من نافذة غرفة النوم بالمنزل المجاور، ومدت جسمها إلى الخارج ثم قالت : «هل تبحث عن السيدة تيلسيت؟»
أجاب روبرت مؤكدا ذلك. «ذهبت لتشتري بقالتها. في المتجر عند الناصية.» «حقا، شكرا لك. إن كان ذلك ما في الأمر، سأنتظرها.» «عليك ألا تنتظر إن كنت تتطلع لمقابلتها في وقت قريب. عليك أن تذهب وتأتي بها.» «فعلا! أستذهب إلى مكان آخر؟» «لا، ليس سوى إلى متجر البقالة، المتجر الوحيد القريب هنا. لكنها تقضي نصف وقت الصباح في الاختيار بين صنفين تجاريين لرقائق القمح. خذ عبوة واحدة بحزم ثم ضعها في حقيبتها وستصبح سعيدة تماما.»
شكرها روبرت وشرع في الانصراف إلى نهاية الشارع، عندما نادته مرة أخرى. «يجب ألا تترك سيارتك. خذها معك.» «لكن المسافة قصيرة بالفعل، أليس كذلك؟» «ربما، لكنه يوم السبت.» «السبت؟» «إجازة المدرسة.» «أتفهم ذلك. لكن لا يوجد شيء بداخلها ...»؛ كان سيقول «عرضة للسرقة»، لكنه عدلها لتصبح «لا شيء بداخلها يمكن نقله.» «يمكن نقله! أها! هذا جيد. كان لدينا أصص زرع للنافذة فيما مضى. والسيدة لافيرتي على الجهة المقابلة من الطريق كان لديها بوابة. السيدة بيدوس كان لديها قائمان خشبيان رفيعان وثماني عشرة ياردة من الحبل لنشر الغسيل. وجميعهن ظنوا أنها أشياء لا يمكن نقلها. إذا تركت سيارتك هناك عشر دقائق فستصير محظوظا لو وجدت هيكلها المعدني!»
لهذا استقل روبرت سيارته واستجاب لنصيحتها، وقادها نحو متجر البقالة. وبينما كان يقود تذكر شيئا، وما تذكره حيره. كان هذا هو المكان الذي كانت فيه بيتي كين في غاية السعادة. هذا الشارع الكئيب بعض الشيء، والمتسخ نوعا ما؛ إحدى متاهات الشوارع التي تشبه بعضها كثيرا. كانت في غاية السعادة لدرجة أنها قد كتبت لتقول بأنها كانت ستمكث فيه ما تبقى من إجازاتها.
Неизвестная страница