وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ، وقال تعالى:
وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ، وإخلاص الدين هو صرف جميع العبادة لله تعالى وحده لا شريك له، وذلك ألا يدعى إلا الله، ولا يستغاث إلا بالله، ولا يذبح إلا له، ولا يخشى ولا يرجى سواه، ولا يرهب ولا يرغب إلا فيما لديه، ولا يتوكل في جميع الأمور إلا عليه، وإن كل ما هنالك لله تعالى لا يصلح شيء منه لملك مقرب، ولا نبي مرسل، ولا شيء غيرهما، وهذا هو بعينه توحيد الألوهية الذي أسس الإسلام عليه، وانفرد به المسلم عن الكافر، وهو معنى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله.
فلما من الله تعالى علينا بمعرفة ذلك، وعلمنا أنه دين الرسل، اتبعناه ودعونا الناس إليه، وإلا فنحن قبل ذلك على ما عليه غالب الناس من الشرك بالله تعالى من عبادة أهل القبور والاستغاثة بهم، والاستعانة منهم والتقرب بالذبح لهم، وطلب الحاجات منهم، مع ما ينضم إلى ذلك من فعل الفواحش والمنكرات، وارتكاب الأمور المحرمات، وترك الصلاة وترك شعائر الإسلام، حتى أظهر الله الحق بعد خفائه، وأحيا أثره بعد عفائه، على يد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب أحسن الله تعالى إليه في آخرته والمآب، فأبرز ما هو الحق والصواب من كتاب الله المجيد، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد إلخ.
ورسالة عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب التي كتبها حين فتح الحرمين الشريفين، شاهدة عدل على أنه بريء من تلك الافتراءات التي افتروها على عقائده وعقائد أبيه، وبنوا عليها تلك الزلازل والقلاقل، وأن مذهبه عين مذهب الأئمة المحدثين والسلف الصالحين، وتلك الرسالة منقولة في اتحاف النبلاء من شاء الاطلاع عليها فليرجع إليها، قال المستشرق سيديللوا الفرنساوي في كتابه خلاصة تاريخ العرب ما نصه: «أخذت العرب من ابتداء القرن الثامن عشر في الاستقلال بالحكم؛ لقوتها وضعف أعدائها، ولم تنقص إلا اتخاذ مركز تجتمع حوله جميع الأذهان، وترجع إليه في تدبير الأمور، فهمت الوهابية سنة 1749 ميلادية، فاتخذت منها عبد الوهاب مركزا، وهو من قبيلة تميم، اشتغل في صغره بالعلوم المعتادة عند العرب خصوصا الفقه، وسافر إلى بغداد والبصرة وبلاد الفرس، ثم أخذ يتفكر فيما يثير الحمية في أبناء وطنه، فوجده إحياء الشريعة نقية من جميع البدع كحالتها الأولية، فألزمهم المواظبة على العمل بالقرآن، ونهاهم عن العلو في تعظيم النبي
صلى الله عليه وسلم
وعن تقديس الأولياء الذين هدم قبورهم، وعن تعاطي المسكر، وأنكر على الأتراك بعض الأحوال، وقال: إن الشريعة تقضي أن يخرج كل إنسان خمس أمواله (كذا) زكاة، وتحرم الزينة، وتلزم القضاة بتحري الصدق، وأخذ يعظمهم بخطب عظم تأثيرها لديهم بموافقتها القرآن، ومقصوده من ذلك استمالتهم إلى الأمور الحربية؛ ليحيوا ما كان لآبائهم من العظمة، وقد كان، فإن أقوى جميع قبائل نجد وفدت عليه، وانتظمت تحت لوائه، فجعل محمد بن سعود من قبيلة مصالح قائد هؤلاء الوفود، وزوج سعود ابنته، وقلده الحكم السياسي على الوهابية لمعرفته بالقوانين العسكرية.»
وقال أحمد سعيد البغدادي في كتابه نديم الأدب: «أما حقيقة هذه الطائفة فإنها حنبلية المذهب، وجميع ما ذكر المؤرخون عنها من جهة الاعتقاد محرف، وفيه تناقض كلي لمن اطلع عليه بتأمل؛ لأن غالب مؤرخي الشرقيين ينقلون عن الكتب الإفرنجية، فإن كان المؤرخ المنقول عنه صاحب دراية وصادق الرواية، تجد أن من يترجم كتابه يجعل الترجمة على قدر اللفظ فيضيع مزية الأصل، وإن كان المؤرخ غير صادق الرواية فمن باب أولى» إلى أن قال: «ومن أراد أن يعرف جليا اعتقاد هذه الطائفة فليطالع كتب مذهب الإمام أحمد بن حنبل - رضي الله عنه - فإنه مذهبهم.»
أما بلاد نجد فقد وصفها محمد بن سليم الشهابي المدني في رسالته الرحلة الحجازية «إنها أرض مسطحة سهلة، يقل وجود الجبال فيها، والمشهور فيها جبلان أجاء وسلمى، وإنها حسنة الهواء كثيرة الأمطار والسيول، وفي سفح جبل أجاء مدينة تسمى بندر حائل، وهي مسورة ولها ثلاثة أبواب، وبيوتها طبقة واحدة والقليل منها طبقتان، مرتفعة البناء وفيها محال للقهوة، مزينة داخل البيوت على عادة العرب، وفيها قصر أميرها، والأمير ينفذ أحكام القاضي على موجب القرآن الشريف، والأحاديث النبوية والأقوال الصحيحة، فيقتص من القاتل، ويقطع يد السارق، ويقيم حد الرجم، ولا يوجد في بلاد نجد شاهد زور البتة، حتى لو سمع الأمير بشاهد زور يجلبه من أقصى نجد ويعزره وينفيه، وفي أوقات الصلاة يطوف مأمور من قبل الأمير في الأسواق والشوارع، فإذا وجد واحدا لم يحضر صلاة الجماعة يسلبه عمامته ويجره إلى المسجد، وعند خروج الأمير من الصلاة يعرضه عليه، فيؤدبه الأمير لترك الصلاة مع الجماعة، وترى جميع أهل البلد والنازلين فيه متبارين في صلواتهم مع الإمام في الجامع، وهم في غاية الذكاء والكمال والفصاحة العربية، وحديثهم بينهم بالإحسان والتؤدة لا تسمع بينهم لغوا أبدا، ولئن كان بقايا من عوائد العرب القديمة وسننها فهي عندهم. ولقد نزلت بين ظهرانيهم على عهد المرحوم الأمير متعب ثلاثة أشهر، ثم زرتهم مرتين فأكثر لما رأيت من إنسانيتهم، فأمعنت النظر في أحوالهم، فلم أسمع في حائل حاضرة الأمير صوت طبل ولا غناء مزمار، ما خلا طبل الحرب في وقته، وإذا مات أحدهم لا تسمع عويل أهله وعياله سوى حزن وبكاء، ويدفنون موتاهم حال وفاتهم، ولو مات الميت في الليل، وفيها بعض أشجار مثمرة، وبنواحيها في سفح جبل إجاء قرية تدعى قفاد ذات عين ثرة، تسقي النخيل والزروع، وحاضرة أمير حائل تحيط بها من جهاتها الثلاث أرض سهلة ما عدا الجهة الرابعة، حيث جبل إجاء الذي يكثر فيه الربيع مسافة يومين وليلة، وهي حمى جعله الأمير لخاصته، ويربي فيها خيله وهجنه وإبله ومواشيه، وفي محيط الحمى قرى رجال الأمير، وعلى بعد خمسة أيام من الحمى بلدة كبيرة تسمى عنيزة مسورة بسورين، سور على نخيل يحيط بها، وسور على البلدة، وعلى مقربة منها مسيل ماء يجري في الغالب، وعلى أطرافه نخيل كثير، وأكثر سكان البلدة تجار نجد وأعيانها، ويقابلها أيضا بلدة كبيرة مسورة تسمى بريدة، ولها قرى تابعة لها ونخيل كثير تدعى القصيم متصلة بالدرعية، ومنها إلى مدينة عظيمة تدعى العارض، حيث مساكن حكام نجد وأمرائها آل سعود، والأمير في كل عام يأخذ من رعاياه الزكاة وفقا للشرع، من خيولهم وإبلهم وأغنامهم ومواشيهم ونخيلهم وزروعهم، ولا يستثني من ذلك إلا الخيل المعدة للحرب، والذي يجبيه من الزكاة على وفق الشرع يجمعه عنده، فيفرق بعضه على المحاويج والفقراء، ويصرف البقية في المآدب وعطايا قاصديه، حتى لا يبقى على رأس السنة منها شيء.»
هذا طرف مما عثرت عليه من تضاعيف كتب مطبوعة ومخطوطة لمؤلفين متباينين في المشارب، متفرقين في المشارق والمغارب، أثبته على حاله، ولم أمسخ من لفظه ولا ماله، ورأيت وسمعت كثيرا من مؤرخي الفرنجة، وسياحهم تكلموا على هذا المذهب ومنهم المنصف والمجحف، على أن المجحف منهم يفضل بصدقه أمثال أحمد جودت، وعبد الرحمن شرف، وأيوب صبري، وغيرهم من المؤرخين الأتراك الذين أطلقوا مباشرة ألفاظ التكفير والتضليل على أبناء هذا المذهب، ورموا الكلام على عواهنه واتهموهم في أمانتهم؛ ولذا اقتصرت على إيراد ما تقدم وتجافيت عن ترجمة أقوالهم؛ لأنها أمليت بلسان التمويه لا بلسان التاريخ، وعلى ما قيل في عباراتهم يتصرف ما كتبه أحمد زيني دحلان المكي بعبارات محزنة مخجلة، وقد رد عليه علماء الوهابية زاعمين أن الأحاديث التي ساقها في كتابه موضوعة بعد ظهورهم، مطالبين القائل بها ببيان الكتب المأخوذة منها، من أسفار المحدثين المتقدمين والمتأخرين، مطيلين اللسان على علماء ذاك العصر، ناسبين لهم الافتراء على حضرة صاحب الرسالة عمدا، ويا ليت هذا المكي بين مآخذه؛ ليخلص من الطعن؛ فإن المقام مقام جدال.
واختلفت الأقوال في عدد المنتحلين لهذا المذهب في نجد، ويقول شمس الدين سامي - صاحب قاموس الأعلام - إن عددهم قد يرقى إلى ثلاثة ملايين نسمة في نجد، أما مسافة هذه الكورة فيقطعها الراكب على متون المطايا في عشرين يوما عرضا، وثلاثين يوما طولا، وأخبرني أحد الثقات الأثبات أن دعوة الوهابية تنتشر في الهند خصوصا في الأعوام الأخيرة. •••
Неизвестная страница