صلى الله عليه وسلم
فقال: «يا أبا عبد الله، إنما يحل لك من هذا ما يحل لنا.» ويروى أن رجلا من موالي بني مازن يقال له عبد الله بن سليمان، وكان من جلة الرجال نازع عمرو بن هداب المازني، وهو في ذلك الوقت سيد بني تميم قاطبة، فظهر عليه المولى حتى أذن له في هدم داره، فأدخل الفعلة دار عمرو، فلما قلع من سطحه سافا كف عنه ثم قال: يا عمرو، قد أريتك القدرة وسأريك العفو. وقد كان في قريش من فيه جفوة ونبوة.
كان نافع بن جبير أحد بني نوفل بن عبد مناف إذا مر عليه بالجنازة سأل عنها، فإن قيل: قرشي قال: وا قوماه! وإن قيل: عربي قال: وا مادتاه! وإن قيل: مولى أو عجمي، قال: اللهم هم عبادك تأخذ منهم من شئت وتدع من شئت. ويروى أن ناسكا من بني الهجيم بن عمر بن تميم كان يقول في قصصه: اللهم اغفر للعرب خاصة وللموالي عامة، فأما العجم فهم عبيدك والأمر إليك.
ومثل ذلك ما كان بعضهم يقولونه: «لا يقطع الصلاة إلا ثلاثة: حمار، أو كلب، أو مولى.» وكانوا لا يكنونهم بالكنى، ولا يدعونهم إلا بالأسماء والألقاب، ولا يمشون في الصف معهم، ولا يتقدمونهم في الموكب، وإن حضروا طعاما قاموا على رءوسهم، وإن أطعموا المولى لسنه وفضله وعلمه، أجلسوه في طريق الخبار؛ لئلا يخفى على الناظر أنه ليس من العرب. ولا يدعونهم يصلون على الجنائز إذا حضر أحد من العرب وإن كان الذي يحضر عزيزا. وكان الخاطب لا يخطب المرأة منهم إلى أبيها ولا إلى أخيها، وإنما يخطبها إلى مواليها، فإن رضي زوج وإلا رد، فإن زوج الأب والأخ بغير رأي مواليه فسخ النكاح، وإن كان قد دخل بها كان سفاحا غير نكاح.
وذكر عمرو بن بحر الجاحظ في كتاب الموالي والعرب، أن الحجاج لما خرج عليه ابن الأشعث وعبد الله بن الجارود ولقي ما لقي من قراء أهل العراق، وكان أكثر من قاتله وخلعه وخرج عليه الفقهاء والمقاتلة والموالي من أهل البصرة، فلما علم أنهم الجمهور الأكبر والسواد الأعظم، أحب أن يسقط ديوانهم ويفرق جماعتهم؛ حتى لا يتألفوا ولا يتعاقدوا، فأقبل على الموالي وقال: أنتم علوج وعجم، وقراؤكم أولى بكم. ففرقهم وفض جمعهم كيف أحب، وصيرهم كيف شاء، ونقش على يد كل رجل منهم اسم البلدة التي وجهه إليها، وكان الذي تولى ذلك منهم رجل من بني سعد بن عجل بن لجين، يقال له حراش، وقال شاعرهم:
وأنت من نقش العجلي راحته
وفر شيخك حتى عاد بالحكم
يريد الحكم بن أيوب التميمي عامل الحجاج على البصرة.
ولقد أورد ابن بسام في الذخيرة في ترجمة الأديب أبي جعفر أحمد الدودين البلنسي رسالة ابن غرسية، يخاطب بها أبا جعفر بن الجزار في فضل الشعوبية وذم العرب، ابتدأها بقوله:
يا ابن الأعارب ما علينا باس
Неизвестная страница