وسلمية بالشام على سيف البرية بناها عبد الله بن صالح وعلي بن عبد الله بن عباس وطرابلس المستجدة بعد طرابلس الشام بجيش المسلمين في مملكة الملك المنصور وسيف الدين قلاوون الصالحي، بنيت في سفح ذيل من أذيال جبل لبنان بكورة من أكوار طرابلس، بعدها عن طرابلس القديمة الخربة نحو من خمسة أميال على شاطئ نهر يجري إلى البحر، وهي المدينة المعروفة اليوم البعيدة عن الميناء المعروفة بميناء طرابلس الشام، والممصر لمدينة أنطرسوس معاوية بن أبي سفيان في أيام عثمان بن عفان حين غزا قبرص، ومدينة عكا بناها عبد الملك بن مروان، ومرعش من بناء خالد بن الوليد، وجددها مروان بن الحكم ثم المنصور بعده، وسميت الثغور؛ لأن المطوعين من أهل الحوزة كانوا يرابطون فيها، ويغزون مدن الروم، وأذنة (أطنة) بناها الرشيد على نهر سيحان.
وطرسوس بنيت في أيام هارون الرشيد، والمصيصة بناها المنصور، وعسكر مكرم نزلها مكرم بن مطرف اللخمي فصارت مدينة ونسبت إليه.
ومدينة الأقلام بإفريقية مدينة أحدثها آل إدريس، وسيلة مدينة أحدثها علي بن الأندلسي أحد خدم القائم بحانه، وهي المرية من الأندلس محدثة، ومدينة الزهراء بناها عبد الرحمن بن محمد خط فيها الأسواق، كما قال ابن حوقل، وابتنى الحمامات والخانات والقصور والمتنزهات، واجتلب إلى ذلك بناء العامة، وأمر مناديه بالنداء ألا من أراد أن يبني دارا أو يتخذ مسكنا بجوار السلطان، فله أربعمائة درهم، فتسارع الناس إلى العمارة، فتكاتفت وتزايدوا فيها فكادت أن تتصل الأبنية بين قرطبة والزهراء.
هذا ما التقطناه في هذه العجالة، ولعل بعض الباحثين يتوسعون في هذا الموضوع في رسالة على حدة، يذكرون فيها جميع ما أقامه العرب من الأمصار والقرى وأعمال العمران كالطرق والجسور والأنهار والترع، وغير ذلك مما يفيد في تصور المدنية العربية، ويدعو الأخلاف إلى التطريس على آثار الأسلاف.
سماع الألحان1
فن الغناء نشأ مع البشر منذ طفوليتهم، وتدرج في درجات العلو ودركات الهبوط بحسب ارتقاء الأمم. ولقد كان له شأن وأي شأن عند الأمم الراقية في القديم على ما دلت عليه روايات التوراة والصور التي وجدت في النواويس المصرية والنقوش البارزة في قصور نمرود وخراساباد، حيث مثلوا الموسيقيين
2
والمغنين، وأدوات الطرب كالشبابة والبوق والصنج والجنك والعود وغيرها، ومزامير داود مشهورة مذكورة.
أجمعت الأمم من جميع الطبقات (الموسيقى الشرقي) على حب الألحان حسب عاداتهم واصطلاح بلادهم، ولكل أمة ألحان ونغمات يستلذونها، ويفرحون بها، لا يستلذها غيرهم، ولا يفرح بها سواهم إلا بتعود سماعها، أو بمعرفة مواقع الطرب في أي لحن كان، ومن الدليل البين على أن لها تأثيرا في النفوس كون الناس يستعملونها تارة عند الفرح واللذة والأعراس والولائم، وأخرى عند الحزن والغم والمصائب والمآتم، وطورا في بيوت العبادات والأعياد، وآونة في الأسواق والمنازل وفي الأسفار والحضر وعند الراحة والتعب وفي مجالس الملوك ومنازل السوقة، ويستعملها الرجال والنساء والصبيان والمشايخ والعلماء والجهلاء والصناع والتجار وجميع طبقات الناس.
قال ابن ساعد: ومنفعة الموسيقى بسط الأرواح وتعديلها وتقويتها وقبضها أيضا؛ لأنه يحركها إما عن مبدئها، فيحدث السرور واللذة، ويظهر الكرم والشجاعة ونحوها، وإما إلى مبدئها فيحدث الفكر في العواقب والاهتمام ونحوها؛ ولذلك يستعمل في الأفراح والحروب وعلاج المرضى تارة، ويستعمل في المآتم وبيوت العبادات أخرى.
Неизвестная страница